اقتصاد

يطالبون بالحقوق ويتجاوزون الواجبات

| عامر الياس شهدا

اجتماعات ماراثونية عقدت مع الصناعيين والتجار مؤخراً عقب إصدار المرسومين 3 و4 للعام 2020، اللذين تسببا بتحريك الماكينة الحكومية للقيام بواجباتها التي من المفترض أن تقوم بها مع بداية عام 2018، حين تم إلغاء القرارين 52 و28، وأطلقوا الوعود بدعم المستثمر ودعم الفوائد بمبلغ 20 مليار ليره سورية، ودعم القروض الإنتاجية بمبلغ 20 مليار ليرة أخرى، والإعلان عن فائض سيولة 240 ملياراً جاهزة للإقراض، وتم إطلاق سياسة نقدية توسعيه، وقد مضى عامان على هذه «البروباغاندا»، قضتها الحكومة في تقديم التبريرات بعناوين مختلفة؛ يوم احتكار ويوم مضاربة ويوم وهمية ويوم فيسبوك.. وغيرها من المبررات، مقابل معاناة المواطن والضغط على القوة الشرائية لليرة السورية وعلى دخل المواطن الهزيل.
أمام كل ذلك، لم نلمس أن هناك تاجراً أو صناعياً بادر للتعاون الحقيقي لانتشال الاقتصاد السوري من محنته بشكل جدّي وبعيد عن تحقيق المصالح الشخصية، إذ إن الأجواء كانت مناسبة جداً لتعاظم رأس المال رغم الغلاء والركود، واستمر الوضع لحين قيام المرسومين بتجفيف مصادر الموارد لهؤلاء، وتقييد حركة رأس المال فكانت لديهم إستراتيجية جاهزة لتغيير مسارات رأس المال، فتقدموا بالاقتراحات التي تفضي إلى الاحتكار، فهو العامل الوحيد الذي سيعوض عليهم ما فقدوه نتيجة المرسومين.
أمام كل ذلك يقول مسؤول عبر الإعلام إن المرسومين قد فعّلا قانون العقوبات الاقتصادية رقم 3 لعام 2013 المادة 20 منه، ما دفع للتساؤل لماذا تم تغييب القانون خلال فترة إطلاق بعض المسؤولين لمبررات ارتفاع الأسعار كالاحتكار والمضاربة والوهمية، وبعد إصدار المرسومين تتم الإشارة إلى القانون، والسؤال هنا: من كان المستفيد من هذا التغييب وأين شعار المواطن أولاً أمام ذلك؟
خلال العامين 2018 و2019 تم طرح حلول واقتراحات على المعنيين في الحكومة، إلا أنه لم يُلمس تجاوب من الحكومة لحين تجفيف المضاربة، وقتها بدأت الاجتماعات السريعة مع التجار والصناعيين حيث نضجت لديهم فكرة تغيير مسارات رأس المال بعد أن سبقها رفض لربط الاستيراد بالتصدير، وسبقها رفض للاستيراد نتيجة القرار 944، وسبقها تجميد الاستيراد رداً على المرسومين، وشاهدنا في ذلك تهديد أحدهم بعدم استيراد المتة إذا لم توافق الحكومة على رفع سعرها، بعدها تسارعت الدعوات لعقد اجتماعات مع رئيس الحكومة ومع الحاكم ووزير الاقتصاد وآخرها مع لجنة البرامج والسياسات الاقتصادية وخرج رجال الأعمال مبتسمين وأعلنوا أن الحكومة حققت مطالبهم، وانقلب الوضع من صامت مستفيد ومنتقد في الوقت ذاته إلى مساند وداعم وحريص على مصلحة الوطن والمواطن!
نرجو ألا يفهمنا البعض أننا نعارض ذلك، فما طالبنا به عبر صحيفتي «الوطن والاقتصادية» منذ سنتين ينفذ الآن وهذا التنفيذ نعتبره إيجابياً جداً، ولكن يفتقر إلى رويّة ودراسة معمقه، فما تم إعلانه من الصناعيين بخصوص الوعود التي أطلقت في الاجتماعات، والتي أظهرت إخراج ما تم إخراجه من الإدراج لتنفيذه اليوم لقضايا ومشاكل مطروحة مسبقاً هي وحلولها وسرعة العمل على إقرارها، يشير إلى أن الاجتماعات عقدت بغياب وجود رؤية ودراسة، وأهمها ما جاء بتصريح رئيس الحكومة للصناعيين بأن الضريبة في العديد من الدول تشكل نسبة 60 بالمئة على حين في سورية لا تشكل إلا 5بالمئة فقط ليعطي هذا التصريح صورة توضح أن موارد الخزينة متآكلة بفعل القرارات المفتقرة إلى تحليل ودراسة، وبالتالي فإن الإشارة إلى ضعف الموارد هو دليل على عدم وجود كفاءة في إدارة هذه الموارد، والعجيب الغريب أنه لن يتخذ قرار بتمويل 44 مادة مستورده بسعر دولار تفضيلي وإعفاءات من الرسوم وتخفيض للرسوم الجمركية بمقدار 4 بالمئة وتحديد سعر لقطع التصدير 805 ليرات سورية أي تحميل الدولة تكاليف 15 بالمئة وهي تكلفة النقل، كل ذلك يحصل مقابل تصريح رئيس الحكومة أن موارد الخزينة لا تتعدى 5 بالمئة من الرسوم والضرائب، يطرح كل ذلك بغياب ضوابط للاستيراد والفصل بين استيراد المواد الأولية التي تستخدم للصناعة والإنتاج والمواد الأولية التي تستخدم للتجارة، وهذا الأمر يضعنا أمام تساؤلات أهمها:
• ما الضوابط التي طرحت بخصوص استيراد المواد الأولية للصناعة والتي من المفترض أن توضع لها ضوابط لجهة كمية الإنتاج من هذه المواد وفصل بين الإنتاج المعد لطرحه بالسوق المحلي والإنتاج المعد للتصدير، أي وجود قاعدة بيانات لحسابات ما تنتجه هذه المستوردات بشكل عملي مع وضع ضوابط رقابية عليها لضمان عدم بيعها كمادة أولية للصناعة بالأسواق، وضمان القيام بتصدير ما يجب تصديره، فغداً نعود لسابق عهدنا بالاستيراد تحت بند مواد للصناعة ويتم بيعها في السوق المحلي وبذلك نمكن المستورد من الاستفادة من زيادة ربحه بنسبة الإعفاءات ونمكنه من المنافسة والمضاربة بالسعر والاحتكار، ومثال ذلك اعتبار تشميل المواد المستوردة للصناعة ضمن المواد الأولية للصناعة كالذرة مثلاً وتفويت دخول ملايين الليرات على الخزينة.
• هل جرت دراسة لتقييد استيراد الصناعي لمواد تعتبر أولية بقصد الاتجار بها، وهنا يستفيد من تمويلين، تمويل بسعر 438 ل.س للدولار وتمويل آخر بسعر 700، أليس من المفترض أن يتم تخصيص كوتات لمن يقوم بذلك وهذه الكوتات تمنعه من الاحتكار والمضاربة، وتمنع الخلط بين المستورد للصناعة والمستورد للتجارة؟
• هل جرت دراسة لربط التمويل بالتصدير، أي بقدر ما يحققه الصناعي المصدر من موارد قطع يمكن تمويله بالقطع لاستيراد المواد الأولية واستيراد مواد أخرى، مع زيادة هامش معين على ما يحققه التصدير من قطع؟
لم نقصد بكتابتنا الإساءة لأحد وإنما الإشارة إلى بعض الأمور علنا نتلافاها، ونضمن نجاح الإجراءات والقرارات، نتمنى للجميع التوفيق والخروج بنتائج ترضي المواطن وفيها تعافي الوطن.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن