قضايا وآراء

«خطة د» و «صفقة القرن»

| تحسين الحلبي

كشف ستيوارت ليتيل هود، الذي يعد من بين كبار المتابعين للقضية الفلسطينية وله كتاب بعنوان «راديو فلسطين الحرّة» بالإنكليزية، أن «صفقة القرن» وكل ما جاء فيها «يعد تطبيقاً لخطة وضعها رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق ديفيد بن غوريون باسم «الخطة دالت» أي «الخطة د» وحدد فيها ما يمكن للمنظمات المسلحة الصهيونية في ذلك الوقت القيام به من عمليات لتنفيذ أهداف تجعل «مشروع الدولة» يحقق توسعاً كبيراً في الاستيلاء على الأرض حين يقرر الجيش البريطاني الانسحاب.
يؤكد ليتيل هود، في مقاله الذي نشره في المجلة الإلكترونية «ريدريس أون لاين» في 31 كانون الثاني الماضي أن بن غوريون نفذ في حرب عام 1948 «الخطة د» وحقق بوساطتها السيطرة على 78 بالمئة من فلسطين، ويصف صفقة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بأنها «الاستكمال لما لم يتمكن بن غوريون من تحقيقه في حرب عام 1948».
ويكشف التاريخ منذ عام 1948 أن «خطة د» جرى بموجبها تنفيذ مذابح بشرية بهدف إجبار الفلسطينيين على الرحيل أو الموت، وهذا ما أجبر أكثر من 750 ألفاً منهم على الرحيل تحت نيران المذابح خارج قراهم ومدنهم وممتلكاتهم.
وفي يومنا هذا قرر ترامب ورئيس وزراء إسرائيل الحالي بنيامين نتنياهو، استكمال «خطة د» بعد سلسلة مذابح حديثة في جنين وقطاع غزة والقدس منذ اتفاقية أوسلو عام 1993، فمن بين ما تدعو إليه الصفقة هو تهجير 260 ألفاً من الفلسطينيين الذين ما زالوا يعيشون في عشر قرى في المثلث داخل فلسطين المحتلة عام 1948 ونقلهم لرعاية وسلطة «الدولة الفلسطينية» بموجب صفقة القرن.
الموضوع لا يتعلق بتبادل أراضٍ بين من يوافق على صفقة القرن وبين إسرائيل، بل ترحيل قسري لما تعد نسبته 12 بالمئة إلى 14 بالمئة من فلسطينيي الأراضي المحتلة عام 1948 إلى الأراضي التي ستخصصها صفقة القرن للدولة الفلسطينية مما تبقى من الضفة الغربية، أما بقية اللاجئين الفلسطينيين وكل فلسطيني يعيش في خارج الأرض المحتلة فليس لهم أي حق بالعودة حتى إلى مساحة الأرض المخصصة للدولة الفلسطينية لأنها لن تتسع لخمسة ملايين موجودين الآن في الضفة الغربية وقطاع غزة، ويراد ضم ربع مليون من فلسطينيي القرى العشر ومن بينهم سكان أم الفحم والطيبة ويزيد عددهم على مئة ألف في القريتين فقط.
ويكشف ليتيل هود، ساخراً من كل من يتجرأ على التعامل مع هذه الصفقة أن ديفيد بن غوريون الذي كان يقود تنفيذ «خطة د» المذكورة قال أمام ضباطه بعد حرب عام 1948 وتشكيله لأول حكومة عام 1949: «لو كنت زعيماً عربياً فلن أوافق على أي اتفاق مع إسرائيل لقد أخذنا بلادهم. نعم كان رب إسرائيل قد وعدنا بها لكن ماذا يعني ذلك بالنسبة للعرب فرب إسرائيل بنظرنا ليس ربهم نحن أبناء إسرائيل هذا صحيح لكن منذ ألفي سنة. وماذا يهمهم من هذا الأمر؟ نعم شهدنا معاداة لليهود من النازية من هتلر وأوشفتيس لكن هل هذا خطأ العرب؟ إنهم لا يرون سوى شيء واحد هو أننا جئنا هنا وسرقنا بلادهم»، وأضاف بن غوريون قائلاً: «إنني دعمت تهجيرهم بالقوة ولا أرى فيما قمنا به عملاً غير أخلاقي».
وإذا كان صاحب المذابح ضد الشعب الفلسطيني ومؤسس هذا الكيان يصارح ضباطه بهذه العبارات معترفاً بجريمة لا يعدها «غير أخلاقية» بموجب ما قال، فماذا سيقول كل عربي فرداً أو حاكماً على صفقة القرن التي لم تظهر بهذا الشكل العلني إلا في هذه الظروف التي وجد فيها ترامب ونتنياهو أن حكاماً من العرب ما عادت تهمهم حقوق شعب شقيق ما زال منذ قرن من الزمان وهو يناضل ويقدم الشهداء وما وجد من يقاتل معه ويقاوم سوى دول عربية قليلة تقاسمت معه نضاله وقدمت الشهداء وهي سورية ومصر ولبنان والعراق وبعض دول أخرى، وهو يجد الآن أن محور المقاومة بأطرافه في المنطقة من دمشق إلى المقاومة اللبنانية إلى إيران والعراق أصبحت فلسطين قضيته إلى جانب هذا الشعب.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن