من دفتر الوطن

دعوة إلى الفرح

| عصام داري

تعبت من الكلام الجدي، وحتى من الكتابة الساخرة التي تستقبل العالم بهمومه ومشاكله وتعقيداته وأزماته السياسية والاقتصادية والمعيشية بابتسامة ساخرة غير مبالية بكل تلك المشاكل، تعبت من كل ذلك، واليوم قررت العودة لدفاتري العتيقة التي سجلت فيها مشاعر إنسان عاش في زمن جميل، وها هو يعيش في زمن السلام عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حتى مع أصدقاء لم أعرفهم أبداً، ولا أظن أنني سأجتمع فيهم يوماً.
ولأنني تعبت وقررت أن أعيش عصر الرومانسية البائد، الذي صار مجرد ذكرى من ماض يشبهني، بمعنى أنه «دقة قديمة» فإنني أبحث عن كلمات تشبه الشعر الذي كان حالة بين الحلم والخيال والواقع، لكنه الآن شعر إلكتروني لا طعم له ولا لون ولا رائحة.
اليوم سأتذكر ليالي الحزينة الطويلة عندما كان الحب يخيم على الناس، وكانت الألفة عنوان الناس ودثارهم وشعارهم.
فحين يتراكم الثلج فوق المروج والسهول والجبال، وفي داخلنا، يطيب لنا أن نشعل الذاكرة على أيام كان الصيف فيها يعني الارتماء في أحضان الطبيعة، وكتابة أسماء العشاق على جذوع الشجر، والسهر حتى ساعات الفجر الأولى بانتظار صبية قد تطل من نافذتها، أو لا تطل، وهي تومئ بتلويحة، وابتسامة، معلنة لنا أن وقت النوم قد حان، لكننا كنا لا ننام، ونرسم صوراً مبهجة عن لقاء قريب.
نخطئ أحياناً في تقدير الحالة التي نحن فيها، نبالغ في تصوير القلق والأحزان والكآبة، وربما نلغي التفاؤل ونحبس الآمال في قمقم لا قرار له، أو على الأقل، ننسى أن نتفاءل وأن نذكر أن الكأس ليست كلها فارغة.
في لحظة تشاؤم ننسى أن الشمس تشرق كل صباح في موعد لا تتأخر عنه أبداً، والنور يأتينا بعد ظلمة وعتم مهما طالا، فلماذا نغلق على أنفسنا أبواب أقبية الظلمة وننكر ضوء الشمس ودفأها؟
نحب السهر في الليالي المقمرة.. فلماذا يغتال بعضنا القمر؟ ولماذا تقلقه زقزقة العصافير وهديل الحمام؟ وترهقه قصيدة شعر أو زجل أو أغنية حب رومانسية؟
عشقنا للحياة وتعلقنا بها يجعلاننا نفرح مع كل مشهد يرتسم على مساحة الوطن، كنا نراه عادياً وروتينياً، كذهاب التلاميذ إلى المدارس، وتفتح الأزاهير، وحركة المرور والازدحام، وتجوال المواطنين في الشوارع، لكن هناك من يقتل الأطفال والطفولة، ويسحق الورد والأزاهير، وينحر الحمائم والعصافير.
ربما نسينا أن نفرح ذات عمر مضى، وعندما اتخذنا قراراً بدخول عالم الفرح، وكانت الأفراح قد غادرتنا وسافرت إلى المجهول.
هل أضعنا الفرصة إلى الأبد، أم إن زمن الفرح ينتظرنا في مفرق طريق؟ وإننا نمتلك الفرصة على الرغم من الأحزان الساكنة فينا وفي زواريبنا الضيقة التي تقيم فيها العتمة؟ سأراهن بكل رصيدي على الفرح القادم الذي يجهز على سنوات الجمر والقهر، الفرح من صنعنا، والتفاؤل شريكنا، والأمل طريقنا، والدعوة مفتوحة لعشاق الحياة والحب، فحياتنا رحلة مرسومة بمشاعر وعواطف وأحاسيس إنسانية رقيقة وراقية تحمل كل الحنين لمحبة سرمدية لا نهاية لها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن