ثقافة وفن

المولوية بين العقل والتصوف … تقاليد في اللباس والمناسبات والتفسير

| منير كيال

المولوية طريقة صوفية، نسبة إلى مولانا جلال الدين الرومي، وتلفظ ميلوية محرفة عن الاسم الصحيح، انتشرت هذه الطريقة بأرجاء الدولة العثمانية، وكان مركزها قونية بالأناضول، وبلغ عدد تكاياتها نحو 360 تكية.
يعود تأسيس هذه الطريقة إلى بهاء الدين المولوي المعروف بالرومي، وقد كان بارعاً بالعلوم العقلية والنقلية، درس جلال الدين لدى أبيه، وأكمل دراسته بحلقات علماء عصره بحلب ودمشق، ولما تعرف إلى شلبي حسام الدين بقونية بدأ فترة دائمة من حياته في التصوّف والتأليف والتصنيف وقد انحصر تنصيب شيخ آية تكية بالشلبي سليل أسرة الشلبيان، وكان مركزه بقونية ثم انتقل إلى حلب، إثر انسلاخ بلاد الشام عن الدولة العثمانية.
كان تنصيب شيخ الطريقة لآية تكية بيد الشلبي قباني إلى الشلبي، وبعد أن يقدم الشلبي وثيقة الولاية مصدقة حسب الأصول يقابل الشلبي، فيجلس الشلبي ينتظر ثلاثة ويحيله إلى الخدمة بالمطبخ مدة تمتد بين تسعة أيام وتسعة أشهر بوضع متقشف، وعند حلول الإذن للمرشح يلبس المرشح ملابس مراسم الاستقبال من عمّة ودستار وهي الخاصة بحفل التنصيب، وذلك بحضور دراويش من المولوية، فيتصدر الشلبي المكان، ثم يمثل المرشح بين يدي الشلبي وهو جاثياً على ركبتيه، فيتوج الشلبي المرشح شيخاً لتلك التكية الشاغرة من المشيخة المولوية ويلبسه الشلبي العمة والدرمثان الخاص بذلك، وبالتالي يعلن الشلبي إجازة المرشح شيخاً لبسط المكان أو التكية الشاغرة.
وفي حال الرغبة في الانخراط بالطريقة المولوية يطلب ذلك إلى شيخ التكية فيسمح له في أول الأمر بمتابعة حلقات ذكر المولوية التي كانت تعقد ليلة الاثنين والجمعة من كل أسبوع، وخلال ذلك يكون الشاويش والدراويش في بحث دائم عن راغب السلوك بالطريقة، وبخاصة من ناحية سلوكه وطوبته، فإذا تأكد الشيخ من حسن ذلك فإنه يعلن قبول انخراط المرشح بصفوف المريدين، ويطلب إلى المرشح إحضار الجبة الخاصة بالمولوية المعروفة الخرقاية ولباس الرأس المعروف باسم السكّه والطلاوة، وبعد فترة يحدد الشيخ موعداً للاحتفال بقبول ذلك المرشح بالطريقة، وبعد أيام يولم الدرويش بطعام ملح الطريقة وبالتالي يصبح الدرويش الجديد أخاً لجميع دراويش التكية.
وقد كان لبعض دراويش التكية مهام خاصة خلال انعقاد مجلس المولوية، ومن ذلك: الميدانحي وهو الشاويش، ويناط به التحري عن كل من يود الانخراط بالطريقة ومنهم البدانجي، وهو يقوم بضبط نظام حركة الدراويش أثناء الدوران ومن ذلك التايظان، وهو عازف الناي وكذلك من يطلق عليه لقب قدوم خان ويناط إليه الضرب على النقارات لضبط الإيقاع، وأخيراً ما يسمى بالنعت خان وهو قارئ الدعاء.
وللمولوية ملابس خاصة بهم، وقد تعددت تفسيرات هذه الملابس وإلى ما ترمز إليه فهناك ما يعرف باسم السكة أو الطلاوة، وهي تعني القلنسوة، وهي مشابهة للطربوش الذي كان يضعه الرجال على رؤوسهم، لكنها أطول ولونها بني فاتح، وهي من وبر الإبل أو اللباد وترمز في خشونتها إلى قسوة الحياة وشظفها كما أنها للدراويش، أما الشيوخ فإنهم يضعون عمامة خضراء يطلق عليها اسم الدستار ويرتدون رداء قصيراً بدون أزرار ويعبر هذا اللباس عن أن لباس الدنيا قصير، وهناك حزام للوسط عريض لضبط التنورة من وسطها، كما أنهم يعتبرون أن الرداء تشبيه للمسلمين الفقراء من شدّ أو ربط للحجارة على بطونهم حالة الجوع، أما التنورة، فهي لباس من بين الكتفين حتى الوسط ثم تتسع فتصبح كالقمع وهذه التنورة تعبير بأن لباس الدنيا فضفاض، أما لون التنورة الأبيض، فهو دلالة على كفن الميت، والمست هو خفّ ينتعله الدراويش أثناء الدوران.
وهناك الجبّة، وهي رداء أسود ضيق يلبسه الدراويش فوق ملابسهم، وقد عنواباللون الأسود للجبة العزوف عن ملاذ الدنيا، أما الخرقاية فهي جبة عريضة فضفاضة بلا أكمام وتعني أن رداء الدنيا سريع الزوال ومن جهة أخرى تشير إلى مجلس المولوية.
ينعقد ليلة الاثنين والجمعة، وهو بالإضافة إلى ذلك ينعقد بالمناسبات الدينية، ومنها ليلة الإسراء والمعراج، وليلة النصف من شهر شعبان، وليلة السابع والعشرين من شهر رمضان، وليلة المولد النبوي، كما قد يعقد هذا المجلس بالمناسبات التي تكون للأثرياء، أكان ذلك بالأفراح أم بالأتراح.
ففي ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان تسهم الطريقة المولوية مع الطرائق الصوفية الأخرى بدمشق بالاحتفاء بهذه الليلة فيولم شيخ الطريقة بطعام أو سماط إفطار، الدراويش وبعد أن يعقد الذكر بمقر التكية، يخرجون من التكية بموكب شعبي يرافقه عدد كبير من الناس، فإذا وصلوا إلى دار التغلبي يشاركون الذكر بدار التغلبي بالدوران، وبعد ينطلقون إلى دار اليافي بالقوافين غربي الجامع الأموي، فيشاركونهم الاحتفال بهذه الليلة، ثم يخرجون إلى دار الشيخ غزال بحي القيميرية، ثم إلى دار العيطة ومنه إلى دار القضماني بمحلة ستي رابعة بالقيمرية فيتسحرون عندهم ثم ينطلقون إلى المسجد الأموي وفي جميع الأحوال، فإن المولوية في تنقلهم الذي أتينا على ذكره، كانوا يشاركون من مروا بهم بالاحتفال.
وفي الجامع الأموي يعقد شيخ التكية المولوية مجلساً عند مقام سيدنا يحيى عليه السلام، في حين يدخل الدراويش المسجد وهم بالدوران، وذلك من باب النوفرة للجامع وذلك بصف طويل حتى منبر الأموي، ثم ينعطفون في دورانهم نحو مقام سيدنا يحيى عليه السلام، فيشاركهم شيخ الطريقة بالدوران، ولدى الانتهاء من الدوران، يقدم الشيخ دعاء الختام ثم يصلون صلاة الفجر مع الإمام ومن بعد ينصرفون.
ومن الجدير بالذكر، أن المولوية يشاركون الطرائق الأخرى بالمسجد الأموي، إذا بلغ شهر رمضان ثلاثين يوماً، وذلك بالذكر والدوران، علاوة عن الأوراد والترتيل والتكبير والمدائح النبوية، وذلك لتوديع شهر رمضان المبارك.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن