ثقافة وفن

ما قبل تأبين فن الكاريكاتير وواقعه بين اليوم والغد … الشماع لـ«الوطن»: التأثير ما زال موجوداً إلا أن هناك الكثير من المتغيرات أثرت في هذا الفن

| سارة سلامة

الكاريكاتير بكل ما يحمله هذا الفن من تميز وقدرة على الوصول والتعبير كان محط اهتمام لقاء «شام والقلم»، عبر مسيرة امتداده وتطوره واختلاف تأثيره بين الأمس واليوم. ذلك الفن الساخر الذي يعتبر من فنون الرسم، ويقدم صورة تبالغ في إظهار تحريف الملامح الطبيعية أو خصائص ومزايا شخص أو جسم ما، بهدف السخرية أو النقد الاجتماعي والسياسي والفني، تفوق أحياناً قدرة المقالات والتقارير الصحفية بالتعبير.
حيث استضاف المركز الثقافي العربي في «أبو رمانة» ندوة حوارية تحت عنوان «الكاريكاتير.. فن المجتمع في رسم الواقع» للرسام عبد الهادي شماع والناقد سعد القاسم.

قبل تأبين الكاريكاتير
الجلسة أضاءت على واقع فن الكاريكاتير بين اليوم والغد وأكد الفنان عبد الهادي الشماع في تصريح خاص لـ«الوطن»: «لا أخفي أنني متشائم هذه الفترة التي تعتبر شكلاً من أشكال ما قبل تأبين هذا الفن، الدنيا تسير بنا إلى اتجاهات أخرى في فن الكاريكاتير، وهو الآن شئنا أم أبينا يبدأ بالانحسار عند الناس، على الرغم من فعاليته الكبيرة ومحبة الناس، وارتكازها عليه في فترة من الفترات لكن التكنولوجيا أثرت في كل أنواع الفنون، وهناك الكثير من التغيرات تحدث اليوم بوجود الفضاء الإلكتروني ومن ضمن هذه التأثيرات التأثير على فن الكاريكاتير».
وبيّن الشماع أن هناك شكلاً من أشكال الكاريكاتير في الأساس ينتشر عبر الجرائد الورقية والتلفزيون قائلاً: «في زمننا هذا نشهد إغلاق الكثير من الصحف، والتي لم تغلق تعيش أزمات مالية وتشهد قلة في التوزيع بسبب توجه الناس إلى شيء آخر، وبالنهاية هذه قوانين الحياة ففي الكرة الأرضية هناك شيء يحل مكان الآخر، ونحنا الآن نعتبر في الفترة الانتقالية. فالمسرح كان على أيام الإغريق وقبل ذلك ولكن مازال موجوداً بفعاليته رغم أن تأثيره وأهميته بدأت بالتراجع وأخذت أشكالاً أخرى».
هناك بدائل وأشكال أخرى للكاريكاتير لم تتوضح وتتبلور بعد، حيث بين الشماع: «طبيعة الأشياء تقول إن هذا الفن سوف يتطور ويختلف بشكله الذي هو عليه وهناك توقعات عن نوع الإبداع الذي يشبه الكاريكاتير وبدأ يتشكل، لذلك أنا متفائل في الرغبة الذاتية عند الإنسان والأطفال والكبار وجميع الأعمار في إبقاء هذا الفن، إلا أن هناك مناخاً طاغياً له علاقة بتطورات العالم ووسائل التواصل الاجتماعي التي أحدثت تأثيراً شئنا أم أبينا».
تأثير هذا الفن ما زال موجوداً ولا أنكر أنني من المتضررين وأوضح الشماع: «هذه معطيات الحياة والتأثير بقي موجوداً وهناك شروط جديدة تعمل، إلا أن هناك الكثير من الصحف تغلق ويترك رساموها، فتأثر الكاريكاتير بكل تلك المعطيات بشكل كبير».
أما بالنسبة للفنانين الذين يلفتون نظره بين الشماع: «هم تقريباً أنفسهم منذ زمن إلى الآن باستثناء التجارب التي غردت خارج السرب لكن فيها شيء مختلف مثل ياسر أحمد، والحرية تبقى مقيدة لدينا إلا أنني الآن أعرف تماماً طبيعة السياسة التحريرية ولا أضيع وقتي بعمل غير مجد وقد يخالف سياسة الجريدة أو البلد».
وأخيراً في كلمة وجهها عبر «الوطن» شاكراً الصحيفة ومثنياً على رئيس تحريرها وضاح عبد ربه الذي ما زال يولي أهمية كبيرة لهذا الفن بشكل مهم ومؤثر في ظل اختفاء فن الكاريكاتير من أغلب الصحف السورية.

التحايل على الممنوع
بينما بين الناقد سعد القاسم فعالية هذا الفن وتأثيره في المجتمع قائلاً: «فن الكاريكاتير هو فن قديم جداً، الموثق لدينا أنه كان عند المصريين القدماء ووجدت الرسوم الكاريكاتيرية على أوراق البردة، التي هي بالأصل تعبر عن موقف سياسي للصراعات الموجودة داخل مصر وخارجها، وظهر هذا الفن في عصر النهضة معبراً عن مواقف ضد السلطة والإقطاعية، ومع ظهور الصحافة في العالم بدأ يأخذ مجاله وأصبح جزءاً من العمل الصحفي».
والكثير من الصحف حرصت أن يكون لديها رسام كاريكاتير حيث بيّن القاسم أن: «الكاريكاتير تطور ليكون نوعين منه الدور الصحفي المرتبط بالتحقيق الصحفي وغيره والثاني ينشر بالصحافة وليس له علاقة بالحداثة أو بخبر، وهذا الاتجاه بالمنشور الصحفي كان ينمو كثيراً في سورية في مرحلة السبعينيات عندما وجه الكاريكاتير العالمي من دون تعليق أو كلام».
أما عن حرية التعبير التي يحتاجها هذا الفن فأوضح القاسم أن: «حرية العمل هنا تكون في فن التحايل على الممنوع، وبطبيعة الحال هو لا يقدم بهامش حرية مفتوح بل يحاول دائماً تقديم شيء غير مباشر وقابل للتأويل، والحرية عموماً بالعالم كله غير موجودة، وبشكل عام الكاريكاتير بالعالم كله يشهد تقييداً لحريته على اعتبار أن وسائل الإعلام أيضاً مقيدة، ونشهد تراجعاً على المستوى الصحفي بسبب التراجع الصحفي نفسه، وهناك الكثير من الصحف التي تحولت إلى مواقع إلكترونية لم تكن مهتمة بنقل الكاريكاتير معها، لذلك هو الآن أخذ مساراً منعزلاً عن الحدث السياسي واقتصر على القضايا العامة ويكون ضمن مسابقات عالمية، وبالنهاية لا يمكن أن يستمر لأن فنان الكاريكاتير يريد العيش».
وعن مستقبل هذا الفن بين القاسم أنه غامض ومجهول قائلاً: «في ظل الهيمنة الأميركية على وسائل التواصل الاجتماعي والاتصال لا نستطيع أن نتوقع الشكل الحالي، لكن فن الكاريكاتير لديه فرصة في البقاء كفن صحفي ناقد ولاذع وحرّ، وإن تغيرت مستقبلاً هذه الهيمنة يمكن أن نحظى بنتيجة جيدة لمستقبل فن الكاريكاتير».
يذكر أن عبد الهادي الشماع هو رسام كاريكاتير سوري، حاصل على بكالوريوس من كلية الفنون الجميلة – جامعة دمشق 1982، ولديه مجموعة من المعارض منها: «1989 معارض فردية في دمشق (1984-1991) – حلب 1986- براغ 1984– بيروت 1990– صور 1990- عمّان 1996. ومعرض ثنائي مع الفنان الشهيد ناجي العلي – حلب 1979، وشارك في معارض جماعية في كل من: «دمشق، حلب، تونس، القاهرة، عمان، طرابلس، إستانبول، طهران، طوكيو، باريس».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن