الانقراض السادس
حسن م. يوسف :
أيهما أكثر خطراً الضبع القريب أم الطوفان القادم؟
فَرَضَ هذا السؤال نفسه عليَّ وأنا أقرأ كتاب «الانقراض السادس: تاريخ غير طبيعي» للكاتبة الأميركية إليزابيث كولبرت، الذي اعتبره الملياردير بل غيتس صاحب شركة ميكروسوفت ثالث أهم كتاب قرأه خلال العام الماضي.
والحق أن هذا الكتاب مثير للاهتمام أكثر من اللازم، بل هو مخيف نوعاً ما، لأنه يبشرنا بأن عملية انقراضنا الجماعي كبشر قد بدأت!
لا تنطلق كولبرت من مقولة نظرية بوصفها أستاذه في جامعة وليامز الأميركية، بل تتكئ في استنتاجاتها على عملية بحث ميدانية زارت خلالها مواقع عديدة التقت فيها بأهم علماء البيئة المشهود لهم بالرصانة وطول الباع، وقد ساعدها عملها كصحفية في جريدة «نيويوركر» على تحقيق هذا الهدف.
يرى العلماء أن الأرض قد شهدت عبر تاريخها، الذي يبلغ نصف مليار سنة، خمس حالات انقراض جماعي، وقع أبرزها قبل 66 مليون سنة، وسمي «الموت العظيم»، لكونه أدى لانقراض الديناصورات والقضاء على ما يقارب 96% من الكائنات البحرية.
تستعرض كولبرت في كتابها حالات الانقراض الجماعي الخمس تلك، قبل أن تبشرنا بحالة الانقراض السادسة التي بدأت تتسارع مؤخراً نتيجة الأنشطة المؤذية لبيئة كوكب الأرض التي يمارسها بني البشر بشكل متزايد.
تجمع كولبرت مع علماء البيئة على أن كل حالات الانقراض الجماعي الخمس السابقة قد حدثت نتيجة عوامل طبيعية؛ نيازك أو زلازل نجمت عنها تغيّرات كارثية في مناخ الأرض أدت لانقراض الأنواع العاجزة عن التأقلم وظهور أنواع أخرى. إلا أن الانقراض السادس الذي تبشرنا به إليزابيث كولبرت هو انقراض «غير طبيعي» أي إنه سينجم عن تدخل البشر العنيف في بيئة الكوكب!
ترصد كولبرت بوضوح وعمق سياق العمليات التي تتحكم بسير الحياة على سطح الأرض متوقفة عند ظواهر تغير المناخ و«حموضة المحيطات» وتفتت المنظومات البيئية، ثم تتحدث في الفصل الثاني عشر الذي يحمل عنوان «مورثات الجنون» عن الشيفرة الوراثية للإنسان التي تمنحه قدرات فريدة من نوعها في مجال الإبداع والتواصل الاجتماعي، لتستنتج أن النوع البشري ربما كان «نوعاً دخيلاً» وبناء على هذا الاستنتاج وضعت العنوان الفرعي لكتابها: «تاريخ غير طبيعي».
المقلق في كتاب كولبرت، الذي يحتوي على ثلاثة عشر فصلًا، هو أن مؤلفته تقدم سلسلة من الأمثلة التي تثبت دقة طروحاتها وصحة استنتاجاتها بشأن «الكارثة التي توشك على الظهور» فالانخفاض الكبير في التّنوع البيولوجي قد بدأ بالفعل، ووتيرة هذا الانخفاض سوف تتسارع حتمًا خلال العقود القادمة!
صحيح أن عقلاء العالم قد سبق أن أثاروا هذا الموضوع مراراً، ففي ثمانينيات القرن الماضي قام اتحاد العلماء العالمي، وهو منظمة غير حكومية أسسها الفيلسوف برتراند راسل، بتوجيه «إنذار إلى البشرية» قمت بترجمته إلى العربية آنذاك، وقد حذر الإنذار من ثلاثة أخطار كبرى هي التصحر وارتفاع نسبة الإشعاع وظاهرة البيت الزجاجي، وقد أكد مركز برادلي للتغيرات المناخية قبل أعوام ما حذر منه اتحاد العلماء العالمي، إذ جاء في تقرير له أن «كوكب الأرض سوف يصل إلى نقطة اللاعودة عام 2050 إذا استمر الإنسان في استنزاف موارد كوكبه بالوتيرة نفسها».
قد يبدو هذا الموضوع نخبوياً في ظل الحرب الكونية التي يشنها ضباع العالم على وطننا السوري الحبيب، لكن الخطر الذي يتهدد مستقبل البشر يهددنا أيضاً. صحيح أن مواجهة الضبع قد تبدو ملحة أكثر من الطوفان، لكن كلاهما قاتل!