قبل عام بالضبط ذكرت مجلة «ميديل إيست آي» بالإنكليزية في 4 كانون الثاني 2019 أن الرئيس السوداني السابق عمر البشير أعلن لوسائل الإعلام أن إدارة ترامب طلبت منه «تطبيع علاقات السودان مع إسرائيل» لكي تقوم بتحسين علاقاتها مع السودان وتزيل اسم السودان من قائمة «الدول الإرهابية» وأكد أنه «رفض هذا الطلب» وكانت التظاهرات السودانية مستمرة ضد البشير في ذلك الوقت ويبدو أنه أعلن ذلك للمتظاهرين لكي ينال ثقتهم بواسطة موقفه من إسرائيل، وفي الثالث من شباط الجاري أي بعد عام على موقف البشير، نشرت كل وسائل الإعلام الإفريقية والعالمية أن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو التقى ضمن موعد مسبق وتم إعداده، برئيس المجلس الحاكم في السودان عبد الفتاح البرهان في أوغندا يوم الاثنين الماضي وبشكل سري لم تظهر فيه صورة تجمع نتنياهو بالبرهان، وأعلن نتنياهو بعد ذلك الاجتماع ومن أوغندا نفسها أنه «اتفق مع البرهان على أن يبدأ التعاون بين إسرائيل والسودان من أجل تطبيع العلاقات بين البلدين»، ونشر نتنياهو هذا التصريح تحت عبارة «إنه تاريخ جديد»، موضحا أنه أبلغ وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو بأن البرهان وافق، وأن المطلوب من بومبيو دعوة البرهان لزيارة واشنطن وستكون أول زيارة لرئيس سوداني منذ أكثر من ثلاثين عاماً!
وقد جاء التوقيت الذي اختاره نتنياهو للإعلان عن هذا اللقاء وعن وساطته مع إدارة ترامب لاستقبال البرهان في أسوأ ظروف تمر بها قضية الشعب الفلسطيني في مجابهته لتصفية هذه القضية على أيدي نتنياهو وترامب اللذين أعدا صفقة القرن.
هذه الاختراقات الخطيرة وغير المسبوقة التي تنفذها إسرائيل بواسطة اللقاءات العلنية المفاجئة لنتنياهو مع مسؤولين عرب بدءاً بسلطان عمان الراحل وانتهاء برئيس السودان قبل أيام، لم يعد هدفها زيادة شق الصف العربي فقط بل توظيف بعض الدول العربية بمهام وإجراءات تفرضها القيادة الإسرائيلية عليها ضد كل من يدعم الحقوق الفلسطينية الشرعية وكل من يقف إلى جانب سورية في تمسكها بتحرير الأراضي السورية المحتلة في الجولان، وإذا ظنّ الرئيس السوداني أن موضوع اجتماعه بنتنياهو يمكن أن يمر على غرار اجتماع نتنياهو بسلطان عمان فإنه مخطئ جداً لأن الشعب السوداني يزيد عدده على أربعين مليوناً ولن يقبل أبداً بما فعله البرهان ونظام الحكم في السودان ليس ملكياً على غرار سلطنة عمان وعدد سكانها القليل فالسودان شهدت نشاطات حزبية لقادة أحزاب قومية وأخرى يسارية منذ عقود كثيرة ومن المؤكد أن الجمهور السوداني لن يقبل بأي تطبيع مع إسرائيل لا على مستوى الحكام ولا على مستوى الشعب والوطن السوداني، فإسرائيل تسعى إلى السيطرة على ممر البحر الأحمر وتريد إنشاء «حلف عسكري» لدول البحر الأحمر تحت نفوذها فقد أعلن نتنياهو منذ سنوات وقبل الحرب السعودية على اليمن وموضوع باب المندب فيه أن عدد الدول التي تتفق مع إسرائيل على دورها في حماية البحر الأحمر يزداد فهناك أرتيريا التي سمحت لإسرائيل بإنشاء قاعدة عسكرية إسرائيلية فيها وهناك السعودية التي لن تعارض بموجب ما يقوله نتنياهو دوراً إسرائيلياً قوياً في البحر الأحمر وهناك الأردن في العقبة وكذلك مصر اللتان تقيمان علاقات سلام مع إسرائيل وها هو البرهان يريد ضم السودان إلى مشروع نتنياهو في البحر الأحمر وزيادة الحصار على اليمن وباب المندب، وكان نتنياهو قد أشار إلى أنه سيطلب على غرار ترامب أموالاً من الدول التي تقبل بدور إسرائيلي في البحر الأحمر!