ثقافة وفن

انتخاب… تعيين.. إنهاك ما تبقى

إسماعيل مروة :

بحثت طويلاً عن سبب لتعيين فلان في موقع رفيع فلم أجد، ولكنني خرجت من بحثي لأن الأمر لا يعنيني ولا يعني أحداً، وهذا التعيين لم يأت إلا من باب الصداقة أو المصلحة أو الغرض، وفي أحسن الأحوال والأسوأ جبران الخاطر، لهذا الشخص، أو لما يمثله من توجه أو انتماء..!
قلت سابقاً، وقد لا يوافقني كثيرون، لست مع الانتخابات، بل أنا مع التعيين، وانتخابات اتحاد الكتاب العرب التي خبرتها خير مثال، فبعد صراع طويل، ينتهي الأمر باستئناس أو ما شابه إلى اختيار أحد المرشحين، وبصورة واضحة ينتهي الأمر إلى التعيين بعد ضياع وقت، وهدر أموال، وزراعة الكثير من الحقد والضغينة بين نخبة المجتمع، المثقفين والأدباء والكتاب..!
لكن ما نشهده من تعيينات وانتخابات، وأخصّ الأوساط الثقافية، لأنها الميدان الذي أعمل فيه، يؤكد أننا لا نجيد الانتخابات، ولا نحسن الاختيار والتعيينات، فكما يأتي التعيين مفاجئاً على طاولة خاصة بين صديقين وعد أحدهما وهو المتنفذ صديقه بموقع، ولا بأس أن يكون هذا الموقع غير مناسب، فهو يتعلم مع الأيام، وإن لم يتعلم فإن المتنفذ يدّعي أنه مفروض عليه، حتى يأتي مكانه آخر ليعزل هذا ويأتي بآخر لا يقل سوءاً وجهلاً عن المعزول.
إن قواعد التعيين معيبة، فلا يجوز أن أبحث في ميدان الإعلام، وأتجاهل قوافل الخريجين المبدعين في الإعلام لأختار تقنياً يمكن أن يكون موقعه في وزارة الصناعة أو الاقتصاد أو التموين، ليصبح هذا المحترم ناطقاً إعلامياً..! ولا يجوز أن أختار للمكتبات والمراكز الثقافية من يتولى أمر المكتبات، وأتجاهل خريجي قسم المكتبات الذين يعانون من عدم وجود عمل مناسب، لآتي بشخص آخر يصلح لأي مكان، لكنه لا يصلح لهذا الموقع، فهو لم يسمع شيئاً عن الأخ ديوي وتصنيف المكتبات بالنظام العشري أو ما شابه، ولم يسمع بتميز تصنيف مكتبة الكونغرس! ولا يميز بين دورية وكتاب!
أنا لا أستنكر على من يتم اختياره للموقع، لأن الأنا ورغبة الإنسان تجعله قابلاً بأي مكان ليتصدر، لكنني أستنكر على المتنفذ المسؤول، الذي يسعى إلى شلل المؤسسات التي تتبع له باختياراته.
تصوروا مسؤولاً ثقافياً لا يعرف عشرة مثقفين في بلده!
تخيلوا مثقفاً يتولى مسؤولية ثقافية لا يقرأ غير نتاجه!
قد لا تصيبكم الدهشة إن رأيتم مسؤولاً ثقافياً لم يكتب مقالة في يوم!
بل استغربوا أن يأتي المسؤول إلى موقعه بلا أجنحة، وبدل أن يفرض الفكر المؤسسي، يبدأ صديقنا بحملة تغييرات، وعندما تنتهي تغييراته تجد كل من اختارهم يدورون حوله، انتماء وقبلياً ومناطقياً وطائفياً ومذهبياً، ويقف مع ذلك ليحدثك عن تغييراته وانتقاءاته!
كم من الأمراض التي لا تراعي أن الجسد السوري مريض أصلاً تدلف إلى الوجدان والجسد؟!
هل يصح أن تصبح الوزارة في أي مكان ذات صبغة واحدة؟
ألم يتندر كثيرون بأنهم عندما دخلوا مكاناً رفيعاً كان كل الذين يعملون من دائرة المسؤول؟
متى يثق المسؤول بمن يقدم له الضيافة؟
متى يثق المسؤول بأنه يخدم وطناً، ولا يخدم لوناً واحداً، مهما كان هذا اللون؟
يفاجئك المسؤول بصمته على ممارسات خاطئة! ويفاجئك أكثر عندما ينتفض لاختيار من لا علاقة له بالموقع!
أما من شروط محددة للاختيار سوى الانتماء والولاء؟
هل يكفي أن يكون فلاناً أستاذاً جامعياً ليأخذ موقعاً يدفعه إلى الشلل؟
وهل يكفي أن يكون فلاناً صديقاً أو قريباً من صاحب قرار ليتربع في مكان لا يشبهه؟
يردد هؤلاء دوماً بأن الوقت ليس للنقد، وربما عدوا الناقد خائناً في ظل الحرب التي يتم شنها على سورية اليوم، ولكنهم لا يدركون أن النقد للإصلاح، وأن الممارسات الصحيحة خطوة في الإصلاح، وعندما تخرج سورية من حربها يكون الإصلاح قد اكتمل، وأن الممارسات الخاطئة خطوة في الحرب على سورية، ما يطيل الأزمة، ويفقد الثقة، ويؤدي إلى إنهاك ما تبقى! كثيرون هم الذين لا يريدون شيئاً، لكنهم يشعرون بالاحتقار للذات عندما يطالعون هذه التعيينات والانتخابات! سورية تتألم وهي الأهم أيها السادة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن