فلا كانت الكتابة ولا الأدب، ولا كانت جوائز بوكر ونوبل إن كانوا سيسرعون إليها بالسواطير بدلاً من أقلامٍ ترسم الحياة البهية. هل يحتاج الوطن في معاركه إلى سواطير أخرى؟
لماذا يتحول القلم إلى ساطور؟ أقول هذا وقد سمعتُ أن كاتبة ادَّعت على كاتب، وكلاهما من سورية وكانا صديقين، بأنه تسلّل إلى روايتها التي أصدرتها قبل روايته بعام. تقول الكاتبة إنه سطا عليها، ونشرت على صفحتها ما ذهب إليه وبالتفاصيل.
وكلّنا يعرف بأن المعاني منثورة في الطريق كما قال الجاحظ وبعدها تأتي تقنيّة الكتابة بأدواتها التي يتميّز بها كاتب عن آخر. فكيف إن كانت مصادر الروايتين واحدة عند الكاتبة والكاتب!
ردَّ على الكاتبة أولاً أصحاب الكاتب وكانوا كثراً، وسمعتُ صدى أصوات القبيلة المتعصبة، زعم أحدهم أن الكاتبة من الهواة، وسريعاً تطوّعت شلّة للكاتبة أو لنقل قبيلتها، وتصدت لها قبيلة للكاتب أو قبائل، تراشقوا وتشاتموا، وكان السوريون أتقنوا الشتائم والسخرية المبتذلة، ولم يقفزوا فوقها طوال هذه السنين العجاف، رغم اعتراف الأطراف كلها بالأخطاء والخطايا، وادعى بعضهم ومن الأطراف ذاتها وجميعها بأنهم سيراجعون ويصوّبون مواقفهم.. هيهات، هيهات.
أعود إلى «معركة» الكاتبة والكاتب، فقرأت للأخير المدّعى عليه ردَّاً متأخراً وجاء أكثر انحداراً من ردود القبائل. فقد وصف الكاتبة بمارلين مونرو!! دون أن يزيد وأرادها شتيمة مدويّة!!
ماذا علينا أن نتذكر سوى ما جاء في هجاء الجاهلية (أسود- عبد- قصير- وضيع النسب الخ..)، ورأت الكاتبة في مارلين مونرو مديحاً، فراحت تشيد بجمال مارلين مونرو، وحكت قصتها على صفحتها مع الحلاق الذي نصح بقصّ جديلتها البنية اللون، ثم اقترح عليها وربما الكومبيوتر الذكي (والأخير من عندي) تسريحة قصيرة وتشقير الشعر، وأحسب أن الكاتب وشلّته انقلبوا على ظهورهم ضاحكين وقد «نجحوا!!» في أن يسحبوا الكاتبة إلى الكلام على تسريحة الشعر الأشقر و«أنسوْها!!» أب الرواية وأمها، ورأيت حقيقة البدائية المتخلّفة في الردود، ولا صلة لهذا بالمدنيّة أو البداوة، إنما هي عقول ذهبت وعصبيّة بغيضة لا يستطيع أصحابها التخلّص من أمراضها، فابتعدوا عن الأدب الحيّ الرصين. أما كان على الكاتب أن يردّ بجديَّة على الكاتبة وكانت مهذبة حقيقة في ادّعائها. ولماذا يترك الكاتب لأصحابه أن ينبشوا بالسواطير في الأنساب والأصول؟
وقد ردّت الكاتبة وشلّتها على ذلك بفخر أين منه ذلك في الجاهلية!؟
وما رأيت في الردود إلا بؤساً وظلاماً، هل أرادوا بالسواطير أن تخرج الكاتبة من معركتها التي وصفها صاحب آخر للكاتب بأنها «طبخة بحص»؟ أفلا يتطوع فيصل نزيه ليكشف الحقيقة، بعد أن لمستُ في الردود سخرية بالأدب واستهزاء بالمرأة قبل الأديبة؟
أليس للإنسان، كما يدّعون الحرية في اتخاذ المظهر الذي يريده؟
فجسمه ملك له وحده وأما الأدب فله قراؤه ونقاده، ولا يتهمني أحد بالنسوية والعصبيّة فلستُ معنيَّة بهما، وإنْ نسيت فلن أنسى أن كتاباً كتبوا عن قضايا المرأة والأديبة أفضل مما كتبت بعضهن. وقد سبق لساحات الثقافة والأدب أن شهدت معارك ولم تنحدر إلى هذا العنف المتنمّر.
تأملتُ حولي فرأيت الحياة تتحرك في كل اتجاه وما عادت التصنيفات مفيدة، ولكن ما بال منطقتنا لا تتحرك إلا إلى الخلف؟ ولا عجب أن نهضة حقيقية لم تظهر ولا ثورة ستقوم حتى للجياع ما دامت النفوس هنا، تتنازعها الأنانية والعصبية، وهنا أعترف أن لا دوْرَ للآخر الغريب ولا للأنظمة في هذه الأمور.. قالوا إن المرأة مركز الكون ومن مياهها خرج العلماء والفلاسفة والأدباء و.. وغاب عنهم أن حاملي السواطير والمنافقين خرجوا منها أيضاً وهم يتباهون وأقلامهم مرفوعة، بشرف النضال في سبيل الحرية والمساواة، هم أنفسهم أو بعضهم في السياسة وغيرها، ولا عجب مرة أخرى، في أن الوطن لم يخرج حتى الآن من فجيعته رغم انقضاء السبع العجاف ويكاد يدخل في السنة التاسعة.
يبدو أن على الجميع أن يحرصوا على أن يتمتعوا بالقوة قوة الإمكانات الذاتية لا قوة الشلّة والصحبة، فالتحديات كبيرة وقد تسيء إليه القبيلة أكثر مما تنفعه في منافسة ينبغي أن تكون شريفة ونزيهة، وهذا لا يعني أن يكون المرء وحيداً صامتاً فلسنا وحدنا كما أكدت لي صديقة يوماً، وإلاَّ فالنهارات سترحل مبكرة وضجرة لأن ثمة أغاني ينبغي أن يغنيها معاً الرجال والنساء، وأجمل الألحان منا تعددت فيها الأصوات وطبقاتها المختلفة والمتمايزة.