الأولى

عكاز خشبي للثعبان

| نبيه البرجي

ليسمع القادة العرب، إذا كانت لهم رؤوس، إذا كانت لهم آذان، أي عروض قدمتها أنقرة إلى دمشق من أجل التنسيق الجيوسياسي، والجيوستراتيجي، الهدف تفكيك بعض الأنظمة العربية التي لم تتوان، يوماً، عن التواطؤ معه ضد سورية، وعن التآمر معه ضد سورية.
منذ البداية، قال الرئيس بشار الأسد: لن أمد يدي إلى الثعبان.
لحساب من يلعب رجب طيب أردوغان؟ لحساب دونالد ترامب أم لحساب بنيامين نتنياهو؟ للاثنين معاً، هذا الرجل الذي لم يترك كلمة إلا وقالها في «صفقة القرن»، ألا يدري من هي الدولة العربية الوحيدة التي تواجه، عملانياً، الصفقة، والتي بالرغم من كل المعاناة، لا تزال تزعزع السياسات الهجينة في المنطقة ؟
الثعبان عارٍ، أكثر من مرة، راهنا، وعقب تلك السلسلة من الصدمات، على إمكانية عودته إلى الوعي، حتى الذين يستخدمونه، تكتيكياً أو استراتيجياً، لا يثقون به، الفرنسيون الذين تعاملوا معه لسنوات، ضد سورية، يصفونه الآن بالرجل الذي «لا يرقص الفالس إلا مع الأبالسة»!
إذا كان، فعلاً لا قولاً، ضد الصفقة، وهو الذي يدّعي أنه يحمل القرآن بيمينه، كيف له أن يتوعد سورية إذا ما اقتلعت البرابرة من أرضها؟ وزير خارجية دولة كبرى قال لمن يعنيهم الأمر: ماذا تبقى له سوى هذيان من أصيب بالبارانويا؟
الصفقة لم تسقط من أنقرة، ولا من ذلك الكرنفال البائس، بالأقنعة الكاريكاتورية، لوزراء الخارجية العرب، حتى بديع الزمان الهمذاني بكى في قبره حين أصغى إلى البيان الختامي.
ما من دولة عربية اعترضت على تهديدات أردوغان لسورية!؟ لماذا الاستغراب إذا كنا في زمن الأوثان، وإذا كنا في زمن الديناصورات؟ أولئك الذين يمتطي بنيامين نتنياهو ظهورهم، العصا في يده.
الرئيس التركي الذي يقرأ التاريخ بعيون عرجاء، متى يعلم أن السلطنة العثمانية ذهبت إلى المقبرة، وأن كل ما فعله، ويفعله، لا يختلف عما فعله، ويفعله العرب، أميركا لا تترك لهم حتى الفتات .
ما من سياسي في الدنيا على هذه الدرجة من الرياء والزبائنية، قلما تجد أحداً تتقاطع في شخصيته فلسفة دونكيشوت وفلسفة مكيافيللي، مهما حاول أن يظهر بمواصفات الباب العالي، في أروقة البيت الأبيض، قد تعثرون عليه في صندوق القمامة.
وزير خارجية خليجي نقل عن مايك بومبيو « لوّحنا له بكشف أوراقه، كاد يقع مغشياً عليه» . وقال وزير الخارجية الأميركي «بكل دقة، وبكل حصافة (لاحظوا التعبير) يضطلع بدور حصان طروادة» .
هكذا يقولون في موسكو أيضاً، حين شرّع أبوابه أمام الآتين من قاع الإيديولوجيات، وتولى نقلهم إلى سورية، لم تكن هناك حدود لطموحاته، إذ ظن أنه على بعد خطوات من دمشق، كان يتصور أن المنطقة العربية بأسرها ستنضوي تحت الراية العثمانية، أين هو الآن؟ يتوعد وهو في قعر الزجاجة.
من لا يعلم أن الغالبية الساحقة في إدلب تدعو إلى عودة الدولة، ذاقوا الأمرّين بين النيوبربرية والنيو انكشارية، ما من حل إلا أن يأخذ أردوغان سكان الكهوف هؤلاء إلى بلاده.
قد يكون هذا الخيار الأخير، مراسل تركي قال لنا: «هناك خشية حقيقية لدينا من أن يضطر أردوغان إلى استضافتهم، قد تستغرب إذا قلت لك إنه وبعدما أخفق في توظيفهم على أكثر من محور، بدأ يشعر كما لو أنهم السكاكين في الخاصرة التركية».
ألهذا خطط لنقلهم إلى ليبيا، لطالما رأى في النفط الأداة المقدسة ليكون الرجل المحوري في لعبة الأمم، اللعبة إياها، وكما لا حظنا أخيراً، ألقت به في الدوامة، دون أن يستطيع أن يلاعب القارة العجوز بتلك الأوراق الذهبية، في نهاية المطاف الكل يتقيؤون لغة القرن التاسع عشر.
العكاز الخشبي في انتظار… الثعبان!!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن