ثقافة وفن

ولا ألف دعاء!!

| إسماعيل مروة

ما يحدث في الصين مؤلم جداً، فالفيروس يجتاح هذه الدولة المتحضرة العظيمة، يحاول أن ينال من نهضتها وعظمتها، ويحاول النيل من سرعة انطلاقتها لتكون سيدة العلم والتقدم والتحضر، والصين بما تملك من معارف أعلنت مرات عن اكتشاف أدوية شافية من هذا الفيروس، وخلال ساعات، وعلى مدار اليوم يعمل علماؤها وأطباؤها على اكتشاف الدواء وتجريبه وتطويره، وسينتهي هذا الفيروس سواء كان من صنع الإنسان ومخابره وأبحاثه، أم تمّ تسريبه! أو كان فيروساً طبيعياً متطوراً، سينتهي لأن الصين بلد علم وتحضر وأبحاث، بلد نهضة علمية خطيرة على كل مستوى.
مؤلم جداً ما يحدث في الصين، لكن المؤلم أكثر هو ما يجري في بلداننا العربية، فما يجري لا شفاء منه، ولن يتمكن العلم الذي نملكه من فعل شيء حياله، وهو الجهل المطبق، وما يتم تداوله من فيديوهات وصور ونكات يعطي صورة مؤلمة، فغاية ما وصل إليه العربي خلال ساعات هو اختراع مجموعة من النكت التي تتناول الفيروس، فهذا يتمناه لحماته، وذاك يتمناه لوزرائه، وثالث يتمناه لخصومه، وهكذا السلسلة تطول! وهذه النكت مسوّغة ضمن إطار التنفيس الذاتي عن العجز الذي يحياه العرب تجاه الآخر، وتجاه ذواتهم، وتجاه أصغر حاجياتهم، لكن ما لم يكن بالحسبان والتوقع هو ما يتداوله المثقفون والدارسون، وكله تحت بند الأمنيات والغيبيات، فقد جاء في وسائل التواصل الاجتماعي، وردد الكثيرون أن اللاعب التركي المسلم في ألمانيا هو من انتقم الله له من الصين لأنها منعته من الدخول إليها لتعاطفه مع المسلمين الصينيين الذين نالهم ظلم، وها هم يرددون القول: الصين منعت شخصاً، والله منع العالم من دخول الصين!! وكأننا اليوم أمام حجارة أبابيل من سجيل أرسلها الخالق كرمى لهذا المسلم الذي قد لا يعرف الإسلام إلا بالهوية، والانتماء! ومتى كانت الأمور تحلّ بهذه الطريقة التي تسخف الإيمان وتستخف بالعقل؟
لاشك في أن الحسّ الإنساني يقف ضد القتل وضد اضطهاد الإنسان، مهما كانت شريعته، ومهما كان انتماؤه، ومهما كانت قوميته، وأينما كان بلده، ولكن هل خطر ببال أحدنا أن يطلع على حقيقة ما جرى في الصين قبل الفيروس؟
هل عرف أهداف الحركات التي كانت في الصين، والأسباب التي دفعت لما جرى؟
هل أتعاطف مع الآخر لمجرد أن أنتمي إليه شريعة ومذهباً وطائفة؟
هل أعمل على نصر أخي- حسب وجهة نظر المتحدثين- ظالماً، أو مظلوماً، انفصالياً أو مخرباً أو وطنياً؟
وإذا كان الله سبحانه في عليائه انتقم للمسلمين الصينيين، فلم لم يحدث هذا الانتقام في شتى أصقاع الأرض في حروب قذرة تقودها الدول العظمى وقوى الظلام، وجميعها تصب جام غضبها وحممها على المسلمين، وفوق ذلك تجري على الأرض المقدسة من المسجد الحرام والنبوي إلى المسجد الأقصى.. أم إن هؤلاء لا يستحقون نجدة الله؟ أم أنه لأنه لم يتعاطف معهم اللاعب التركي الذي يلعب في ألمانيا؟
يوجد لاعبون مسلمون عرب يلعبون، ومع ذلك لم يستجب لهم الله ولدعائهم، أهم أقل إيماناً عن ذاك اللاعب، أم إن شيئاً ما يحدث؟!
وأغرب ما في الأمر أن يتداول المثقفون الدعاء للصين، وللمسلمين خاصة، ويعظون الصينيين أن يغيروا معاملاتهم مع المسلمين بسبب غضب الله عليهم.. وبلغ الأمر مداه عندما يتبادلون أن الرئيس الصيني يطلب من المسلمين خاصة الدعاء للصين لتتخلص من الفيروس والوباء؟ ربما كان الرئيس الصيني أكثر خبرة بالإسلام من المسلمين، لذلك دفع علماءه إلى المخابر، وأطباءه إلى التجريب.
أما مسألة الدعاء، فلا يكون مفيداً إلا لمن اتخذ أسباب العلم والتقدم في الحياة، وما عدا ذلك أضغاث أحلام!
وقفت عند هذه الهزلية لأنني شعرت أن المسلمين والعرب لن تفيدهم التجارب، وكل ما جرى على أرضهم وضد وجودهم لم يقدر على إخراجهم من الماضوية والفكر الماضوي الغيبي!
فلنهنأ بالدعاء مع الكسل، ولنستجب لرجاء الرئيس الصيني بالدعاء والصلاة لعله يعامل المسلمين عنده معاملة لائقة!!
ألا نخجل بعد كل ما جرى؟!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن