قضايا وآراء

تركيا واحتمالات المواجهة

| مازن بلال

عززت تركيا نقاط مراقبتها في محافظة إدلب، في وقت زادت فيه حدة التصريحات بينها وبين موسكو، فالاتفاق الخاص بمناطق خفض التصعيد أصبح مجال توتر جديد ربما سيؤدي لمواجهات غير متوقعة، فهذا الاتفاق الذي ظهر من دون أي أرضية سياسية ينهار تدريجيا، وتنحسر معه المسافة الفاصلة بين الدبلوماسية الروسية والغضب التركي، فالمشهد الميداني لا يوحي بإمكانية التراجع السوري ولا بتوقف الأتراك عن انتهاكهم للسيادة السورية.
في مقابل هذا التوتر فإن حسم مسألة الوجود المسلح في محافظة إدلب لا يحمل أي ردود فعل دولية حادة، فهناك تصريحات «خافتة» لا تتناسب مع ردود الفعل العنيفة التي ظهرت قبل عامين على سبيل المثال، وهذا الأمر ينقل طبيعة النظر الدولية للمسألة السورية عموماً التي تراجعت أولوياتها بالنسبة للعواصم العالمية، وينقل أيضاً «الإخفاق الدبلوماسي» في جعل الأزمة السورية بوابة تحول للشرق الأوسط عموماً، فالمنطقة اليوم تقف أمام مسألتين أساسيتين: الأولى مرتبطة برغبة غربية في ترك روسيا وتركيا أمام مواجهة حقيقية؛ تنسف عملياً كل المحاولات التي قامت بها موسكو بترتيب العلاقات الإقليمية عبر لقاءات أستانا، والمسألة الثانية: نقل الأولوية في المنطقة باتجاه إسرائيل عبر الجدل الدائر حول صفقة القرن، فما يحدث في سورية بالنسبة للإدارة الأميركية هو هامش لمركزية الخطة التي أطلقها الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
عملياً فإن التحضيرات العسكرية التركية لم تصل حتى اللحظة إلى مستوى المواجهة المباشرة، فهي تعزيزات للردع من أجل الحفاظ على مستوى محدد من العمليات العسكرية، فأنقرة تحاول قراءة الحدود التي تريد دمشق الوصول إليها، ومعرفة درجة الإصرار الروسي على إنهاء ملف إدلب بالكامل أو الدخول بجولة مفاوضات جديدة، فالمواجهة المحتملة لا تملك مؤشرات واضحة، ورغبة جميع الأطراف لم تصل إلى حدود الاحتكاك العسكري المباشر، وترك الأمور على هذه الشاكلة من دون دبلوماسية سريعة يحمل معه ثلاثة أمور:
– الأول يرتبط بتفاقم أزمات المجموعات المسلحة نتيجة هزائمها المتكررة على الجبهات، فهذه المجموعات تملك علاقة متأزمة تنعكس سلباً على تركيا وعلى الفصائل التابعة لها، وهذا الموضوع سيؤدي في النهاية إلى تفكك معظمها نتيجة عدم قدرتها على إدارة المناطق الموجودة فيها.
– الثاني هو الرهان الروسي على عدم تحمل تركيا لضغوط رحيل أسر المجموعات المسلحة باتجاه أراضيها، فهذا الانتقال ليس نزوحاً بل انتقال لبيئة المجموعات إلى أراضيها، وتركيا باشرت قبل تاريخ بدء العملية السورية إلى نقل عدد من المقاتلين إلى ليبيا، فهناك «فائض» من المسلحين غير القادرين على الانسجام مع الحياة المدنية، وهذا الموضوع ستضطر أنقرة للدخول في تفاوض بشأنه لاحقاً مع الأطراف الدولية والإقليمية كافة.
– الأمر الأخير هو خطورة التداعيات التي تنشأ يومياً نتيجة المعارك، واتساع سقف احتمال المواجهة المباشرة السورية – التركية، ورغم عدم ظهور قلق روسي واضح بهذا الخصوص، لكنه بالتأكيد جزء من الحسابات الروسية التي وضعت قبل بدء الجيش العربي السوري بالتقدم.
هناك هامش جغرافي وزمني متاح أمام دمشق قبل الوصول إلى تصعيد أخطر، والحرب الدبلوماسية بين موسكو وأنقرة تفتح مساحة عسكرية لا تبدو مضبوطة حتى اليوم، لكنها بالنسبة لموسكو على الأقل بوابة لإعادة التفاوض حول مناطق خفض التصعيد التي بات قوامها الأساسي هو الجيش التركي، على حين انزاح المسلحون لموقع آخر ومهام مختلفة تحتاج إلى تفاوض سياسي مختلف عن الشروط التي وضعت في سوتشي قبل عامين.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن