ثقافة وفن

محطة قصيرة من حياته الإبداعية وتحية إلى روحه … نهاد قلعي.. مؤسس وأول مدير للمسرح القومي ومبتكر الأدوار والشخصيات

| وائل العدس

في الجزء الثامن والأربعين من سلسلة «إعلام ومبدعون» الشهرية الموجهة لليافعة، أصدرت الهيئة العامة السورية للكتاب – مديرية منشورات الطفل كتاباً يسلط الضوء على حياة الفنان نهاد قلعي من تأليف الكاتبة هناء أبو أسعد مؤلف من 55 صفحة من القطع الصغير.
وتقول الكاتبة: إن الكتاب محطة قصيرة في محطات من حياة الفنان نهاد قلعي الإبداعية، وتحية كبيرة إلى روحه، وقد أرسى تقاليد الحركة المسرحية في سورية، فكان أول مدير للمسرح القومي، وأحد أهم أركان الدراما والسينما والمسرح… قدّم عشرات الأعمال الفنية بروحه المحببّة للجميع، وإبداعه المميز، وابتسامته التي لا تكاد تفارق محيّاه، فكان الأب الروحي لزملائه الفنانين، أبدع برفقتهم أعمالاً استثنائية، حفرت عميقاً في الذاكرة.
وفي الحديث عن المولد والنشأة، ولد أحمد نهاد الخربوطلي القلعي في مدينة دمشق من أسرة متوسطة الحال في حي ساروجة.
ووفقاً لعمه الدكتور بديع حقي فقد انتقل في طفولته إلى زحلة في لبنان حيث كان والده يعمل رئيساً لمصلحة البريد فيها، وفي أواسط الثلاثينيات عاد مع أسرته إلى دمشق، وأقاموا في شورى بحي المهاجرين ثم انتقلوا إلى الجادة الرابعة «شطا» واستقروا فيها.
درس الابتدائية في مدرسة البخاري، وهنا بدأت تظهر ميوله الفنية حيث كان يشارك في الاحتفالات المدرسية بإلقاء الخطب والقصائد.
وبعد دراسته المرحلة الابتدائية، انتسب إلى مدرسة التجهيز الأولى وتتلمذ فيها على يد الأستاذ عبد الوهاب أبو السعود المعروف باهتمامه بجميع أنواع الفنون، فكان يحضّر المسرحيات ويدرب الطلاب عليها ليقدموها في نهاية العام.
منذ ذلك الوقت بدأ حلم نهاد قلعي في الفن يتبلور، وبعد إحالة والديه على التقاعد اضطر إلى ترك المدرسة بعد أن حصل على البكالوريا.

المحاولة الأولى
في كتاب «دريد ونهاد» الصادر عن المؤسسة العامة للسينما، يقول الكاتب بشار إبراهيم: «بدأت محاولاته الأولى بعد الثانوية لدراسة الفن في مصر لأنها البلد الوحيد الذي كان يوجد فيه آنذاك معهد للتمثيل، فشعر حينها بالفرح الكبير وبأن حلمه سيتحقق بالانتساب للمعهد بدعم من خاله توفيق العطري.
باعت العائلة مجموعة من أثاث المنزل من أجل إرسال نهاد إلى مصر والذي يقول: قدمت أوراقي الثبوتية عن طريق السفارة المصرية وجلست أنتظر الجواب، وطال الانتظار، إلى أن جاء يوم انفرجت الأزمة ووصل إلى دمشق مدير المعهد الفنان زكي طليمات وذهبت إليه وقابلته فاتصل بالسفارة وقال لهم «أنا مدير المعهد وأعلن على مسؤوليتي قبول الطالب السوري نهاد قلعي، وأطلب منكم منحه تأشيرة دخول إلى مصر»، عندها كدت أطير من الفرح فقد تحقق حلمي، لكن على باب الحافلة حصلت المفاجأة، تفقدت النقود فلم أجد شيئاً، لقد ضاعت أو ربما سرقت مني، فعدت إلى البيت حزيناً مكسوراً.

الحياة العملية
وتحدثت الكاتبة عن بداية حياته العملية، فذكرت أنه اضطر للعمل، وكان أول عمل له مراقباً في معمل للمعكرونة في الميدان، ثم توظف في الجامعة، وبما أنه كان صغيراً ذهب إلى النفوس وقام بتكبير عمره سنتين كي يحصل على وظيفة «ضارب آلة كاتبة» في الجامعة، وبقي فيها ست سنوات ثم انتقل إلى وزارة الدفاع بالوظيفة نفسها، لكنه لم يستمر طويلاً.. ترك الوظيفة وعمل مساعداً لعميل جمركي «تخليص بضائع» لمدة خمس سنوات، وبعد فترة بدأ العمل بمفرده إلى أن دخل مجال الفن.

حياته الفنية
في طفولته، انتسب إلى «نادي الفنون الجميلة»، وفي أوائل عام 1964 انتسب إلى نادي «استديو البيرق»، وكان الأستاذ شفيق المنفلوطي من أبرز مؤسسيه، وكانت أول مسرحية له بعنوان «جيشنا السوري»، وفي ليلة اعتقلت سلطات الاحتلال الفرنسية أحد أبطال المسرحية واسمه حسن ستي، فقام نهاد بأداء دوره إضافة إلى دوره الأساسي.
في عام 1954 أسس «النادي الشرقي» وقدم أول مسرحية له على مسرح اللاييك بعنوان: «الأستاذ كلينوف» وكان دور نهاد فيها كوميدياً، وبهذا الدور اكتشف في نفسه الحس الكوميدي.
بين عامي 1959 – 1960 ظهرت فكرة تأسيس المسرح القومي وأسندت هذه المهمة إلى نهاد الذي نجح في تأسيسه وكان أول مدير له.

في التلفزيون
ذكرت الكاتبة هناء أبو أسعد، أنه بعد 15 عاماً من العمل في المسرح، جاءت ولادة التلفزيون السوري وبدأ نهاد العمل فيه منذ اليوم الأول للافتتاح في 23 تموز 1960.
والتقى الفنان نهاد قلعي ودريد لحام في بداية افتتاح التلفزيون في برنامج «الأسرة السعيدة» و«سهرة دمشق»، وشكّلا معاً طوال سنوات أول ثنائي تمثيلي عربي من خلال شخصيتي «غوار الطوشة» و«حسني البورظان».
وعن تسمية «حسني البورظان» يقول نهاد قلعي في برنامج «سهرة دمشق»: كان اسمي حسني، وذات مرة كنت أتحدث بالهاتف على الهواء مباشرة وأقوم بالتمثيل، فنسيت الحوار وحاولت تذكره، فقلت والسماعة بيدي «أنا حسني».. وفي تلك اللحظة لمحت خلف الكواليس أحد أفراد الفرقة الموسيقية يحمل «بورظان»، فقلت «حسني البورظان» وأعجب الجمهور بهذا الاسم الذي اخترعته بالمصادفة.
في السينما

دخل نهاد قلعي السينما في الستينيات وكانت فقيرة جداً مقارنة بالسينما المصرية التي أنتجت مئات الأفلام مقابل سبعة أفلام سورية، ويقول نهاد عن دخوله إلى السينما مع شريكه دريد لحام: «لم نكن نحلم بالنجاح في السينما، بل أقصى ما كنا نطمح إليه كان تجنب السقوط والفشل». وقد مثلا معاً 24 فيلماً.

مبتكر الأدوار والشخصيات
توسعت الكاتبة في الحديث عن هذا العنوان، فقد حاول في بعض أفلامه التخلي عن شخصية الرجل البسيط الطيب، ففي فيلم «غرام في إسطنبول» كان مشاركاً في عملية احتيال، وفي فيلم «الصعاليك» ظهر بدور رجل يحتال على فتاة ويتقرب منها، أما في فيلم «مقلب من المكسيك» فقد ظهر بشخصية الرجل المتشدد الذي يضيق الخناق على بناته، وفي فيلم «المزيفون» ظهر بدور الشخصية الوصولية والانتهازية.
أما في مسرحية «ضيعة تشرين» فقد أبدع في أداء دور المختار.
كانت برامج نهاد ومسلسلاته تجعل الناس يلتزمون البيوت والمقاهي لمتابعتها، متشوقين إلى سماع قصصهم الشعبية وحكايات واقعهم وقصص حاراتهم ومدنهم، فقد كان يكتب عمله بهدوء ويطور شخصيته بحسب اجتهاد الممثل، فضلاً عن أنه يبتكر الكثير من الشخصيات التي تحمل طابعاً خاصاً.
ففي مسلسل «صح النوم» ابتكر شخصيات متنوعة مثل «ياسينو» شغيل الفندق الساذج البسيط، و«أبو كاسم» و«أبو رياح» و«فطوم حيص بيص» و«أبو عنتر» و«بدري أبو كلبشة».

العودة إلى المسرح
في أواسط السبعينيات، عاد نهاد إلى المسرح مع دريد لحام، وأسسا فرقة تشرين وقدّما أول عمل لها بعنوان: «ضيعة تشرين» عام 1974 ثم «غربة» بعد عامين، وفيها تعرض نهاد لأزمة صحية فأسند دوره إلى الفنان تيسير السعدي لكن عندما سجلت هذه المسرحية تلفزيونياً كان هناك إصرار على أن يتم التصوير بمشاركة نهاد رغم مرضه.

مرضه ووفاته
في نهاية السبعينيات، أصيب بشلل نصفي إثر تعرضه لحادث أليم، لكن سني المرض والعلاج الطويلة لم تمنعه من متابعة نشاطه الفني، فقدم الكثير من الأعمال الإذاعية وشارك في فيلم «عندما تغيب الزوجات» ومسلسل «عريس الهنا».
كما ألف قصصاً مصورة للأطفال في مجلة «سامر» التي كانت تصدر في بيروت آنذاك، مستخدماً شخصيتي «حسني البورظان» و«ياسينو» إضافة إلى شخصية خيالية فرنسية اسمها «شارلي».
استمر نهاد قلعي بالعطاء إلى أن تدهورت حالته الصحية إثر نزيف داخلي قوي، فنقل إلى مستشفى الهلال الأحمر السوري، وبعد أيام من الألم والمعاناة، وعلى الرغم من كل الجهود التي بذلت لمحاولة إنقاذه، فإن إصابته المزمنة ومعاناته القديمة مع مرض السكري لم تمهلاه، إذ تعرض لأزمة قلبية، فلفظ أنفاسه الأخيرة على فراشه في تشرين الأول عام 1993، ودفن في القبر الذي حدده بجانب أبيه وجده.

شهادات وتكريم
وخصصت الكاتبة فقرة لمها قلعي ابنة الفنان الراحل لتتحدث عن ذكرياتها مع والدها وعن علاقته مع الفنانين، وعن حياة والديها الزوجية، وحياة والدها الاجتماعية ووضعه المادي ومرضه وعلاجه ووفاته.
كما استشهدت الكاتبة بعدد من الشهادات، على حين اختتمت كتابها بفقرة عن تكريم نهاد قلعي، حيث قررت جمعية أصدقاء دمشق إطلاق اسمه على أحد الشوارع القريبة من منزله القديم في حي المهاجرين تخليداً لاسمه في الذكرى الثانية والعشرين لرحيله.
كما أصدرت سورية مجموعة طوابع بريدية عام 2009 حملت صوراً لفنانين سوريين تقديراً لإسهاماتهم في نهضة الفن وتخليداً لذكراهم ومن بينهم نهاد قلعي.
ومنح الفنان الراحل وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الممتازة عام 2008.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن