ثقافة وفن

البحث عن الإنسان

| د.إسكندر لوقا

يشتهي أي إنسان عاقل أن يكون كاملاً، بيد أن هذه الشهية كثيراً ما تبقى في حدود الأمنية التي قد لا تتحقق لأسباب عديدة مختلفة. إن الكمال، بحد ذاته، مطلب عفوي وهو يستحق أخذه بعين الاعتبار على كل حال. وفي هذا السياق لابد من الإشارة إلى أن العيب العضوي الذي يلحق بالإنسان لا ينتقص من قدره مع أن ذلك قد يكون سبباً نسبياً لسوء العلاقات بينه وبين الآخر.
لقد درجت العادة لدى البعض أن يشار إلى صاحب العيب العضوي بالبنان في المجتمعات التي تولي اكتمال الصورة كل العناية. ومن هنا صار هذا العيب كالوشم يشكل عبئاً نفسياً لدى حامله، بينما قيمة الإنسان الحقيقية تكمن في داخله كما طعم الثمرة يكمن في جوفها، ولا ينبئ شكلها على مذاقها بصورة لا تحتمل أدنى خطأ. كذلك شكل الإنسان لا ينبئ حكماً بما يختزنه في نفسه، لأن ثمة ما هو ظاهر وما هو خفي، وقد يجد أحدنا في أكثر النباتات تخلفاً وأقلها رقياً نفعاً في مجال الطب واستخراج الأدوية، على سبيل المثال، على حين تقتصر وظيفة سواها من النباتات الجميلة على مجرد التزيين والتبرج لزمن محدود.
وثمة دراسات نفسية واجتماعية تؤكد أن العيب العضوي هو، بشكل أو بآخر، مصدر لتجدد الطاقات المختزنة في داخل صاحبه وانطلاقتها، كتفجر نبع الماء من جوف الصخر، وتسلل أشعة الشمس من خلال ثقب في الجدار المنيع.
هذا في سياق الإشارة إلى المجتمعات التي ترى في الإنسان قبل شكله، فيما يتم هدر طاقة حتى الإنسان الخالي من العيوب الجسدية أحياناً لغير ما سبب مفهوم في مجتمعات أخرى أقل تفهماً لقيمة الإنسان كإنسان، وبذلك قد يفقد حتى قدرته على تحدي صعاب من نوع آخر غير تداعيات الإصابة بعائق جسدي.
إن نظرة صاحب العيب العضوي إلى إصابته تحدد طبيعة العلاقة التي تشده إلى الآخرين، وبالتالي تحدد مستقبله. ومما لاشك فيه، أنه بمقدار ما يتفهم حالته بعيداً أن تفهمها ممن حوله، يستطيع رسم المستقبل، الذي ينشده بالرغم من إصابته بهذا المرض أو ذاك، لأنه بذلك يتخطى تبعات إصابته بالمرض ويتابع حياته مؤمناً بأنه إنسان كامل في ذاته قبل أن يكون مجرد شكل بين الناس.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن