رياضة

الكل فائز

| مالك حمود

دعونا من الرياضة وحكاياتها التنافسية وسجالاتها التي تبدأ من الملعب وتمتد إلى ما شاء اللـه مروراً بالمدرجات، ولو أن الأمور تنتهي على المدرجات لكانت أمورنا بألف خير، لكنها تمتد إلى أبعد من ذلك بكثير، وكثيراً ما تتجاهل البوصلة وتضل الهدف!
ومن ميادين الرياضة إلى ميادين الثقافة، هذه رحلة تمنيت لو يحضرها كل أهل الرياضة السورية ومتابعيها ومحبيها والمتحدثين فيها وعنها، ولعلها من أحلى وأمتع المنافسات التي شهدتها سورية في السنوات الأخيرة، والأحلى فيها أنها تتخصص بالجيل الصاعد والواعد، في رحلة بناء فكر وشخصية وأدبيات هؤلاء الشبان.
من سمع منكم ببطولة المناظرات المدرسية التي تقام في سورية؟ والقصة باختصار، تنشئة الجيل على أصول وفن الحوار، حيث المنافسة بين فريقين حول فكرة معينة ذات جدلية، وفريق يتبنى الفكرة ويأخذ موقع المدافع عنها، والفريق الآخر يأخذ موقع المعارض لهذه الفكرة ويحاول دحضها، ولكل فريق أسلوبه وأدواته في تفنيد القضية والبحث عن الحجج والبراهين لإثبات رأيه بالإقناع، ولكل عضو من الفريقين زمن محدد لعرض رأيه متضمناً أفكاره بطريقة متسلسلة ومترابطة ومنسجمة ومبنية على أدلة وبراهين، ولكلا الطرفين حق الكلام والتحدث وإبداء الرأي ولكن ضمن ضوابط معينة وأسس وأدبيات، والأهم هو احترام الطرف الآخر واحترام رأيه، والإصغاء إليه بتمعن وتفهم، وللحكام تقييمهم الأكاديمي لأداء الطرفين من حيث الأفكار والأسلوب والأداء وكسب الاهتمام، وبنهاية المباراة فأنت كمتابع لن تجد نفسك شغوفاً لمعرفة الفريق الفائز، لأنك أساساً ستكون قد كونت قناعة بأن كل من في الميدان هو فائز.
الطرفان فازا بثقافة الحوار الحضاري، والمتابع فاز بسماع أفكار قد تكون جديدة ولا بد أنها مفيدة، والمتنافسون فازوا بملاحظات الحكام الذين يأخذون دور المقيمين والمقومين.
ما جعلني أخرج عن المألوف والانتقال من الرياضة إلى الثقافة، هي الحالة التي وصل إليها الكثير من جمهور رياضتنا الذي يريد فرض رأيه من دون النظر إلى الطرف الآخر وتقبله واحترامه، أو احترام وجهة نظره.
حالة فرض الرأي من أهم المعضلات التي تظهر على مواقع التواصل الاجتماعي، والأغرب الفظاظة التي يستخدمها البعض في إطلاق آرائهم وفرض أحكامهم وغير القابلة للنقاش أو الحوار، وكأنه هو الصح، والآخرون على خطأ!
وعندما صمت أهل الحق عن الباطل توهم الجاهلون أنهم على حق، وهذا ما دفع الكثيرين من العقلاء وأصحاب الرأي السديد والمتوازن للعزوف عن الإدلاء بآرائهم، خشية أي رد من جاهل لم يعتد الإنصات للآخرين، عملاً بمبدأ (ما ناقشت عالماً إلا وغلبته وما ناقشت جاهلاً إلا وغلبني) لتكون النتيجة من أعجب برأيه ضل، فمتى تنتهي الآلام، ونرى من يحترم الكلام؟!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن