لا يمكن السكوت عن الاعتداءات السافرة على الجمهورية العربية السورية، لا يمكن بأي حالٍ من الأحوال الاستمرار في تأجيل الردّ على المعتدي، ويجب أن تكرّس معادلة ضربة بضربة؟
مما لا شك فيه أن ما سبق يشكل وجهة نظر لبعض من يراقب هذه التدخلات السافرة المباشرة من الكيان الصهيوني، والولايات المتّحدة، وتركيا، في الشأن السوري وعلى الأرض السورية، وفي ميادين المعركة الحالية، فقد تم تسجيل دخول عدة أرتال عسكرية تركية إلى الأراضي السورية في ريف إدلب إلى الغرب من الأوتستراد الدولي وفي شمال المحافظة، منعاً من سقوط هذه القرى وهذه المعاقل الأساسية لجبهة النصرة في قبضة قوات الجيش العربي السوري المتقدمة على محاور أرياف إدلب الجنوبية والجنوبية الشرقية والشمالية، وقبلها بأيام دخل رتل عسكري تركي مؤلف من 240 آلية ما بين عربة مدرعة ودبابة إلى الأراضي السورية وطوّق مدينة سراقب لمنع قطع عقدة الطرق الدولية «m5» مع «m4» من الجيش العربي السوري، لكن القوات استمرت بالتقدّم وحاصرت التركي في المدينة ومن ثم طردته من محيطها وحررتها وسط تهديدٍ تركي وتصوير لما تقدّم على أنه انتهاك لاتفاق سوتشي الروسي التركي الموقع في أيلول 2018، وكأن الجيش السوري ممنوع عليه التحرّك على أراضي الجمهورية العربية السورية، ومسموح للجيش التركي، بموجب اتفاقٍ ثنائيٍ، أن يحدد كيفية سير الأمور على الأرض السورية المعترف بها وبسلطة الدولة عليها بموجب الاتفاقات الدولية وبموجب اعتراف الأمم المتّحدة، وبموجب الحق التاريخي للسوريين في أرضهم.
بالتوازي مع فرضية منع تحرّك الجيش السوري لتحرير أرضه برز الخطاب الإعلامي في الصحف الغربية ليعيد مرةً أخرى مقولة «تقدّم قوات النظام» باتجاه «معاقل المتمردين» ويُبرز «دفاع الجيش التركي» عنها، في مؤشرٍ على عدم وجود أي تغيير في طريقة تعاطي الخطاب الإعلامي والسياسي الغربي مع التطورات في سورية، على الرغم من الاعتراف بالانتصارات المتتالية للجيش العربي السوري على الأرض، لكن لم يتم تغيير مقاربة المصطلحات الناظمة للعبة الإعلامية والتضليل الإعلامي الغربي، فقد غيّبت جبهة النصرة الإرهابية تحت مصطلح «المتمردين»، وغيّب الاسم الرسمي لجيشٍ عاملٍ على أرض بلاده يقاتل لاستعادتها من الإرهابيين وبراثن احتلال مباشرٍ، لمصلحة «قوات النظام»، وتم العمل على إعادة تصنيع الملف الإنساني عبر تكرار التقارير الإعلامية التي تتحدث عن نزوح مئات الآلاف من محافظة إدلب، وتضخيم خطر ورقة اللاجئين إلى أوروبا وتركيا، بما يتناسب ويساعد خطاب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في هذا السياق.
على المقلب الآخر، وبالتوازي مع الاحتلال العسكري التركي المباشر للأراضي السورية، استمر تفعيل سلاح الطائرات المسيرة التي تتقاطع الأنباء عن انطلاقها من صوب البحر سواء تلك التي تستهدف قاعدة حميميم، وسواء تلك التي استهدفت مصب بانياس النفطي، وبعدها معمل غاز الريان، ومعمل غاز المنطقة الوسطى، بهدف تدعيم إستراتيجية الولايات المتّحدة وسلاحها الأساسي اليوم القائم على تشديد وتفعيل الحصار على سورية، وقطع الطريق أمام الحكومة السورية لمواجهة هذا الحصار، وذلك عبر ضرب البنية التحتية وتعطيل العمل فيها للحدّ من آثار الحصار على سورية، خاصةً في قطاع الطاقة، الذي تحتل الولايات المتّحدة فيه آبار النفط والغاز الحيوية في شرق سورية.
أما الكيان الصهيوني فإنه يواصل إستراتيجية «معركة بين حروب»، فشهد نهاية الأسبوع الماضي غارات واستهدافات صاروخية لعددٍ من المواقع العسكرية في ريف دمشق، وهذا يتزامن للمرة الأولى مع التدخل العسكري التركي المباشر في شمال غرب البلاد، ويأتي بعد يومين من استهداف مرافق اقتصادية خدمية من جانب المحور المعادي لسورية لإرباك الدولة السورية، وإفراغ الخطوات التي تتخذها الحكومة السورية لمعالجة الوضع الخدمي الاقتصادي من مضمونها.
في خضم ما سبق يأتي من يقول إن روسيا وصمتها يساعد على هذه الاعتداءات، ويأتي من يقول إن الردّ على الكيان الصهيوني هو السبيل الوحيد لردعه، ويأتي آخر ليطالب باستهداف القوات التركية المحتلة بشكلٍ مباشر، فضلاً عن بعض الذي ينادي بالتوجه لضرب القوات الأميركية، متجاهلاً العملية العسكرية النوعية وهذا التقدّم الملموس الذي يحققه الجيش العربي السوري في محافظتي إدلب وحلب، فهل ما سبق منطقي؟ هل من الممكن لسورية أن تقوم اليوم بضرب الكيان الصهيوني في عمق فلسطين المحتلة، وأن تقوم باستهداف الوجود العسكري التركي عبر معركةٍ شاملة، من دون الالتفات إلى مصالح حلفائها؟ وهل يمكن لسورية أن تستهدف الاحتلال الأميركي بشكلٍ مباشر، وبذلك تستعيد آبارها وحقولها النفطية وتنتهي الأزمة الخانقة لحوامل ومصادر الطاقة؟
ألا يرى من يطرح هذه الفرضيات أنه حالم إلى حدٍّ يثير الريبة في الحلم ذاته؟ هل هناك دولةٌ في العالم تستطيع محاربة تركيا، والولايات المتّحدة، والكيان الصهيوني، على أرضها، أي على مسرح عمليات خاصٍ بها، وفي ظل وجود مجاميع إرهابية مسلحة في المنطقة التي تشكّل مسرح العمليات، وفي ظل وجود توتر في مناطق أخرى من البلاد على الرغم من عودة سلطة الدولة إليها؟
إن التقدّم الأسطوري للجيش العربي السوري في معركة إدلب، وقدرة هذا الجيش على محاربة أعتى المجموعات الإرهابية التي بنت تحصينات من سنوات طويلة وفي بيئة شبه حاضنة، وسحق تلك المجموعات، وإرغام الدول الداعمة لها على الدخول مباشرة لحمايتها على أرض دولة ذات سيادة معترف بها من الأمم المتّحدة، ونسف مقولة «الثورة» و«التمرد» من جذورها، وتعويم دور العمالة لهؤلاء في سورية، ودور المرتزقة في ليبيا، يعتبر الانجاز الأهم حتى اللحظة. أما روسيا فهي تدير اللعبة الدولية بكفاءة، ووجود بعض الملاحظات أو تضارب في الأولويات بين الحلفاء لا يعني أن الروس طعنوا السوريين، والإصرار الروسي على استكمال هذه المرحلة من معركة إدلب خير دليلٍ على قوة ومتانة هذا التحالف، وهذه الهيستيريا الإقليمية والدولية من هذا التقدّم المفاجئ للجيش السوري، والحرب المباشرة متعددة المستويات دليلٌ على أن انهيار آخر قلاع «التمرد» الذي يستند عليه الغرب في معركته السياسية المستندة على تصنيع الملفين الإنساني والكيميائي في سورية، وتعويم شعارات «ثورة» دمرت البشر والحجر، هذا الانهيار هو الأهم وهو ما يجب أن يتم الاستمرار به في الوقت الحالي، وهو الردّ الأقسى والأكثر إيلاماً على الأرض وعلى الدول المعتدية كافة.