ثقافة وفن

«الاغتصاب» مشروع تخرج هو الأول لجامعة «المنارة» … عمران لـ«الوطن»: هذا العرض نتاج تعب سنوات وهو الأول للطلاب وأرى أن أدواتهم متطورة ووصلوا بداية الاحتراف

| سارة سلامة

(الاغتصاب) عرض مسرحي تأليف الكاتب المسرحي الراحل سعد اللـه ونوس، إعداد وإخراج فايز قزق، يعالج إشكالية الصراع العربي الإسرائيلي من منطق ثقافي يبدأ من التمرد الفردي إلى الوعي الجماعي، ويجسد باختلاف شخصياته آلام الفلسطينيين. كان مشروع الدفعة الأولى لجامعة المنارة كلية فنون الأداء.
تمثيل كل من الطلبة المرشحين لنيل درجة الإجازة في فنون الأداء قسم التمثيل وهم: «رغد ديب، الليث الكحيل، عقيل سليمان، مها الشيخ، خالد عضيمة، لؤي النوري».
بخطوات صلبة ونظرات واثقة قاد طلاب اللاذقية عرضهم على خشبة المسرح العالي للفنون المسرحية في دمشق قدموا وحلموا بهذا الجمهور الذي يكبر أكثر، في مساحة ضيقة تعج بالحضور تكاد تخنق الأنفاس باشر العرض خطوطه الأولى.

بشخصيات مركبة وخطوط درامية محكمة عرض فيها البعد الإسرائيلي وسلط الضوء على كيان ادعى الكمال وأسس دولة الظلام بسؤال مهم طرحه: هل الإنسان ممكن أن يكون مخلوقاً فضائياً؟ لا يحمل أي مشاعر، لنتبين أن هناك إنسانية ربما تخترق بعضهم لتدندن لهم بصوت خافت نحن ماذا نفعل هنا وإلى أين نذهب.. وهل هكذا تعاقب الإنسانية.
صراعات نفسية وهواجس تعيشها الشخصيات، واضطرابات أبدع الطلاب في تجسيدها، تغير الواقع وتبين الحق والمظلومية التي يتعرض لها صاحب الأرض وتعري المعتدي الغاصب. كما أن الجرأة في طرح موضوع الاغتصاب لا يتمثل في تلك المرأة التي اغتصبت، فهي وحدها كانت تعبر عنا جميعاً وتعبر عن الأرض التي نهبت وشجر الليمون والزيتون الذي هتك.. كان العرض مناسبة جميلة لنسترجع نحن وأجيال الحرب من جديد التفكير والحق بالتفكير في قضيتنا وبوصلتنا الأساسية فلسطين.

مايسترو العرض
بكل انسيابية وبروحه الجميلة قاد مايسترو العرض المخرج فايز قزق المسرح مع طلاب تماهوا معه واستطاع أن يلونهم ليجسدوا بكل حرفية أدوارهم ويبدعوا وينجحوا. وفي كلمته التي تركها على البروشور قائلاً: «إنه لمن دواعي سروري الشديد أن أكون واحداً من الأساتذة والمشرفين على تخريج أول دفعة من طلاب «كلية فنون الأداء» في جامعة المنارة في اللاذقية، والتي أرجو لهيئتها التدريسية والتدريبية كل النجاح والتوفيق في الوصول مع طلبتها إلى أعلى درجات التفوق والإبداع».

نتاج تعب سنوات
وفي تصريح خاص لـ«الوطن» بين عميد كلية فنون الأداء الدكتور سامر عمران: إن «هذا التخرج الأول للدفعة الأولى في جامعة المنارة- كلية فنون الأداء- قسم التمثيل، وهؤلاء الطلبة خضعوا لمجمل المسار الذي يخضع له الممثل المحترف في الأكاديميات بالعالم، من تطوير لأدواتهم الجسدية بقسم الحركة من الإيماء إلى الليونة إلى الرقص ورقص الكلاسيك، وفي مجال الصوت من الغناء والإلقاء والخطابة وفن الممثل أيضاً، إضافة إلى مجمل المواد النظرية التي لها علاقة بالتجربة المسرحية وتاريخ المسرح والتحليل، وبالتالي هذا العرض نتاج تعبهم لعدة سنوات، وهذا النتاج الأول لهم الذي يعبر عنهم، ومن وجهة نظري الشخصية أرى أن أدواتهم متطورة جداً ووصلوا مكاناً محترفاً أو بداية الاحتراف، وقدموا طاقة ممتازة على كل المستويات وبكل أدوات التعبير عند الممثل».
هناك تحدٍ كبير في إطلاق المشروع وتأسيسه والبناء عليه كما قال الدكتور عمران: إن «التحدي كان بانطلاق المشروع وتأسيس الكلية، وفي الذهاب إلى مدينة أخرى ونبدأ من نواة جديدة وهذا مهم، ولا بد أن يكون هناك مجموعة من المعاهد العليا أو الأكاديميات في المحافظات الأخرى، حيث إنه حق للآخرين في الدراسة وليس كل الناس قادرين أن يأتوا إلى دمشق ليدرسوا، والتحدي الأساسي كان في تأسيس تلك الأكاديمية في مدينة جديدة، وتأسيس هذا القسم بهذه الكلية وأن ننطلق ونؤمن بمشروعنا وبالطلاب المقبولين، وأن يؤمنوا بأنفسهم، هنا يكمن التحدي وهذه النتيجة التي رأيناها هي نتاج ذلك التحدي».
وعن اختيار النص بكل تلك الجرأة في الطرح أوضح عمران: إن «الاختيار كان من مجمل مقترحاتٍ كان (الاغتصاب) أحدها، وتم الاتفاق عليه وأعتقد أنه مهم بهذه المرحلة على أكثر من مستوى وهناك الكثير من الشباب خلال الفترة الماضية بالحرب التي نعيشها لا يعرفون عن الموضوع شيئاً لسبب من الأسباب، وبالتالي هذا النوع من المواد والنص وتحويله إلى مادة فنية للتخرج كان مهماً فكرياً وفنياً، وخاصة أن النص مليء وغني بالدراما وبشخصياته وبالأفكار والمقولات وفي تناقضات الشخصيات، وبالأفكار التي نؤمن بها حتى لو كانت صحيحة إلا أنها على المستوى الإنساني مؤذية، وشخصيات اكتشفت فجأة كانت تسير على طريق خاطئ ولا تعرف إلى أين ذاهبة وماذا تفعل بحق الإنسانية».
وأخيراً بين عمران: «إن النص يحمل جميع العناصر التي تؤهل المتخرج أن يعمل عليها ليتقدم كممثل بشخصيات مركبة وصعبة وتحتاج إلى شغل على الجسد وعلى الانفعال، ومن الناحية الفكرية من المفيد أن نطرح شيئاً عن القضية الفلسطينية بهذه المرحلة وعن الظلم الذي يعيشه الفلسطينيون وعن الكذبة التي تؤهلها إسرائيل لمجتمعها».

كلمة الطلاب المشاركين
بينما قالت الطالبة رغد ديب: «إنني لم أشعر بصعوبة أبداً في تقديم الدور رغم جرأته لأنني أحببت الشخصية، لذلك أعطيتها كل طاقتي وإمكاناتي لأبني تلك الشخصية بكل مواجعها وفرحها والأشياء التي لا تستطيع أن تحصل عليها، وتعاملت معها بكل شفافية، لذلك يؤسفني أن اليوم هو العرض الأخير وسأودع شخصية انسجمت معها. هو شعور يعطيني طاقة وتحفيزاً لأكون في المستقبل مثل أي نجم صعد إلى تلك الخشبة، وآمل الوصول إلى مكان يستحق التعب الذي مررنا به».
بدوره بين الطالب خالد عضيمة: «إن شخصية جدعون صعبة وتختلف عن أي شخص يؤديها بسبب اختلافها الكبير عن تربيتنا وواقعنا والمكان الذي نعيش فيه، وتتطلب تبني تفاصيل دقيقة حتى نتميز، واخترت أن يكون شكله قريباً من حيوان الذئب بالشعر والعيون، وتبرير ذلك أنه تعرض في إحدى حفلات الاغتصاب، الذي كان يقوم بها، لحادث معين أدى لأن تكون عينه بهذه الطريقة. وأقول إن المسرح عالم من الجمال والتعب الذي تعبناه يؤهلنا حقيقة لأن نقف على تلك الخشبة».
ومن جهته أوضح الطالب عقيل سليمان: «بالنسبة لي المعهد العالي للفنون المسرحية كان حلماً، وعندما فتحت جامعة المنارة كانت البديلة منه وهناك فوارق فقط في المكان وحملونا المسؤولية منذ البداية وأعطونا بكل الطاقات والأساتذة لنطور أدواتنا، وبما أننا الدفعة الأولى فإن نجاح المشروع من نجاحنا وهي مسؤولية نحملها، وعندما أتيت إلى هنا كنت أريد أن أثبت أنني أستحق هذا المكان، وبالطبع كان هناك رهبة كبيرة تجاه الجمهور، وهذا المعهد الذي عمره 40 عاماً قدم الكثير من العروض والكثير من الأساتذة والخريجين المهمين جداً».
وأضاف سليمان: «إن صعوبة دوري تكمن في شخصية الراوي الذي يتواصل مع الجمهور ويوصلهم ويعلق على الأحداث التي تسير داخل العرض طوال الوقت».
أما الطالب الليث الكحيل فقال: «إن هذا المشروع كان متعباً بالنسبة لنا واستغرق العمل به قرابة 3 أشهر ونصف الشهر، وقدمناه بداية في مدينة اللاذقية بجامعة المنارة لمدة 4 أيام، وبعدها أتينا إلى المعهد العالي في دمشق لنقدم المشروع، وهناك اختلاف ربما فقط في الظرف والمكان، ورهبة المسرح موجودة بشكل عام وخصوصاً إذا كان بحجم المعهد العالي والنجوم والأساتذة الكبار الذين وقفوا على خشبته».
فيما قال الطالب لؤي النوري: «إن جامعة المنارة هي جامعة حديثة وأي شيء يحدث الآن هو الحدث الأول فيها، وهي تحتوي المناهج نفسها وطريقة التدريس نفسها ولا يوجد أي فرق في الأداء، ولكل طالب له بصمته وطريقته بالعمل وكل منا يرى بناء الشخصية بطريقته،. ولكن الجمهور هنا لديه حساسية عالية، وكانوا جميعاً يرحبون بنا، ومنهم من كان يساعدنا على أي شيء نريده، وشخصيتي كانت رئيس مركز الكيان الصهيوني الذي تدور الأحداث عنده، ومن خلال أحداث المسرحية نجد هذا الرجل أنه مدعي الدين».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن