حوار السقف المفتوح بين الحكومة والتجار … خميس: سورية دولة قوية وقادرة على كسر الحصار … 90 بالمئة من قراراتنا صحيحة ولا يمكن أن نكون ضد التجار
| هناء غانم
لم يخلُ اجتماع رئيس مجلس الوزراء عماد خميس والفريق الحكومي مع التجار أمس من العتب المتبادل، على مبدأ أن الاختلاف في وجهات النظر لا يفسد للودّ قضية.
وأكد رئيس مجلس الوزراء أن القطاع الخاص شريك حقيقي للحكومة في اتخاذ القرارات، والمهم تحديد كيفية العمل بشكل مشترك لتقديم سلعة للمواطن بسعر مناسب وبالشكل المثالي، مضيفاً: «إن لقمة عيش المواطن ومتطلباته هي مسؤولية الحكومة والتجار، ولا يمكن لأحد أن يتنصل من مسؤوليته، سواء من الفريق الحكومي أو من التجار، وسوف نصنع ونصدّر ونعمل بالتجارة، ونستهلك، وأنتم المحرك الأساسي، لذلك، سورية دولة قوية وقادرة على كسر الحصار، لأن ما نريده هو تعزيز حركة الاستيراد والتصدير بهدف تأمين مستلزمات المواطن بيسر وبأسعار مقبولة، وممنوع زيادة أسعار أي من السلع، وخاصة الأساسية من سكر ورز وزيوت.. وغيرها».
وطمأن رئيس الحكومة التجار في بداية الاجتماع (الذي استمر لأكثر من خمس ساعات) بأن السقف مفتوح لطرح أي صعوبة تواجه عملهم، من أجل أن تعمل الحكومة على حلها، وتأمين انسياب السلع الاستهلاكية في الأسواق وتوفيرها للمواطن بأسعار مقبولة، وخاصةً أن الوضع الاقتصادي صعب على الجميع، وسط تذبذب سعر الصرف وعدم التوازن بين المعروض والمطلوب، وتراجع الاستيراد، والتراجع في تداول السيولة، حتى القرارات لم تصل بشكل صحيح، مؤكداً أن تغير سعر الصرف كان له منعكس سلبي على الواقع الاقتصادي، وهذا يتطلب تضافر جهود الحكومة وقطاع الأعمال بعمل مشترك لتوسيع الخطوات العكسية لتخفيف الآثار السلبية والابتعاد عن الانكماش.
وقال خميس: «هل نقف بشكل سلبي أمام هذه المطبات؟ بالتأكيد لا»، مؤكداً أن من يقود الاقتصاد السوري اليوم هو القطاع الخاص أكثر من العام، لذا يجب أن يكون هناك خطوات مهمة تؤسس لمرحلة قادمة، منوهاً بأن سياسة التسعير المبنية على السعر القصري بحاجة إلى تطوير، ويجب تطبيق نظام الفوترة على أي سلعة.
وأضاف: «إن ارتفاع الأسعار ليس سببه انخفاض قيمة العملة الوطنية، ولا حتى ارتفاع سعر الدولار، بل سببه الحرب»، ووجه كلامه للتجار قائلاً: «إذا أردتم ألا تخطئ الحكومة فهذا يعني أن لا أحد يعمل فيها، وصحيح أن هناك أخطاء وثغرات لكن 90 بالمئة من قراراتنا صحيحية، وبرأيي لا يوجد قرار صدر إلا وكان إيجابياً، فإذا تعثرنا بمكان ما، فهذا لا يعني أن الحكومة غير صادقة، ومع ذلك لن نسمح بأن يكون هناك ثغرات».
وأكد خميس أن وجود التهريب لم يعد مسموحاً، لأنه معاناة للجميع من تاجر وصناعي، مصدّر ومستورد، والموضوع سوف يعالج قريباً، مضيفاً: «على الجميع الإدراك أن الحكومة لا يمكنها الوقوف ضد التاجر أو رجل الأعمال».
واستطرد قائلاً: «بالتأكيد هناك حلقة مفقودة، ويقال إن الحكومة مقصرة، علماً بأن التقصير سببه الحرب وتدمير الموارد والبنى التحتية، وهذا أحد أسباب ضرب الثقة بين المواطن والحكومة، فالهوة كبيرة بين قطاع الأعمال والفريق الحكومي، والسبب هو التقصير في الحوار وإيصال المعطيات، والمطالب عن طريق الاتحادات، ولن أقبل أن ينتهي التواصل عند هذا الاجتماع لأنه بداية جديدة لوضع برنامج عمل متكامل فيه مصلحة للجميع».
وأضاف: «الاتحادات مقصرة، وهناك خلل، علماً بأن دورها مهم وقوي، ونحن نطالبكم بتقديم ما هو المطلوب منا لنقدم لكم تشريعات صحيحية، لأن دورنا تسهيل القرارات، وتقديم الخدمات، ولن نقبل بأي رؤية غير تفاؤلية لأي رجل أعمال، ولا نريد أن يقال إننا «عملنا لكم البحر طحينة»، لأن مهمة الاتحادات بالأساس دعم العمل الحكومي».
وسأل خميس التجار: «من خلق اقتصاد الظل؟ هل نحن كوزراء أم بعض رجال الأعمال»؟، مضيفاً: «وبالنتيجة، أي قرار يصدر عن وزارة المالية مثلاً يقال إنه ضد رجال الأعمال، وعندها يفضل البعض الابتعاد، وأن تبقى أموالهم بعيدة عن الساحة الاقتصادية، وهذا أمر سيء بحق الاقتصاد الوطني، فما يفيدنا في الوقت الحالي هو العمل المشترك»، مؤكداً أنه لا يجوز التعامل إلا بالعملة الوطنية، «لذلك علينا أن نفرق بين القرار وتطبيق القرار، ولا يجوز العودة إلى الوراء لأن هناك ضعاف نفوس».
التجار والدولار
طمأن حاكم مصرف سورية المركزي حازم قرفول رجال الأعمال بأن كافة القرارات المتعلقة بالسياسة الاقتصادية والمالية والنقدية تؤمن استمرار حركة التجارة الخارجية بكل مكوناتها كالاستيراد والتصدير، مؤكداً أن المرسومين 3 و4 موجهان للمتعاملين بغير الليرة بقصد المضاربة، مشيراً إلى العمل على إصدار قرارات جاذبة لرجال الأعمال قريباً بالتوازي مع الاستمرار في ضبط عمل شركات الصرافة وتوفير القطع الأجنبي اللازم للمستوردات .
وكان الحاكم قد انتقد التجار في بداية حديثه، إذ قال: «لم نلمس أي ظهور لشراكة حقيقية مع التجار، لأن الكرة برأيهم دائماً يجب أن تكون في الملعب الحكومي»، وأضاف: «إن قراراتنا واقعية في ظل الأوضاع الاقتصادية غير المستقرة، وهناك بعض الطروحات غير المنطقية من قبل التجار، فهل يعقل أن يكون فتح باب الاستيراد هو الحلّ لتخفيض الأسعار»؟ مشيراً إلى أن الدولة أصرّت على تأمين المواد الأساسية للمواطن بسعر مناسب من سكر ورز وشاي.. وغيرها، بسعر منخفض، لأنه لا نستطيع أن نحمل المواطن أعباء إضافية، ومن لديه حلّ لوضع سعر واحد للدولار فنحن جاهزون للأخذ به».
وأشار قرفول إلى أنه لا يوجد تاجر يقبل أن يترك الليرة السورية معه لليوم التالي، لذا يقوم فوراً بتحويلها إلى دولار، مضيفاً: «أمام هذه الظاهرة لا يمكن للحكومة أن تبقى متفرجة، خاصة أن معظم المعاملات وطرق البيع تحولت إلى الدولار».
بدوره، أكد وزير المالية مأمون حمدان أن «مشكلتنا هي الدفاتر غير الصحيحة التي يقدمها التجار للمالية، لذا على التجار أن يقدموا دفاتر حقيقية لأنها تظهر كافة النفقات والخسائر بشكل سليم» .
أما وزير الاقتصاد سامر الخليل، فأكد أن وضع آلية لتحديد المواد المسموح باستيرادها أغلق الباب أمام بعض التجار، مشيراً إلى أن ما طرحه أحد التجار بأن فكرة السماح بالاستيراد تغلق باب التهريب غير منطقية، ولا يبرر أن المواد المهربة هي حاجة، لأن كل المواد الضرورية مسموح استيرادها، أو هي مصنعة محلياً، وبالتأكيد من غير المنطقي السماح باستيرادها والقضاء على الصناعة الوطنية، فالممنوع استيراده هو الكماليات فقط، منوهاً بأن الحكومة تعمل على توسيع مطارح الدعم على المواد المصدرة خاصة ذات القيمة المضافة .
وقال وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك عاطف النداف: «إن 95 بالمئة من ضبوط المخالفة هي لعدم الإعلان عن الأسعار والغش، ولا يوجد تاجر تم إغلاق محله إلا وكان هناك إنذار له من قبل دورياتنا، لكنه لم يرتدع، لذلك تم إغلاق المحل لعدم الإعلان عن الأسعار».
وأشار إلى أنه لا يتم إجراء أي ضبط إلا بوثيقة يتم إعلامنا بها، وتصويرها على «الوتس آب» وبناء عليه تتم المخالفة، لافتاً إلى أن الحديث مع التجار تميز بالشفافية في طرح جميع المواضيع المتعلقة بمعيشة المواطن بهدف الوصول إلى توفير المواد الأساسية بأسعار مقبولة وجودة جيدة.
بدوره، أكد الأمين العام لمجلس الوزراء قيس خضر أنه مهما اختلفت الآراء يبقى الهم الأول هو الوطن والمواطن، وأن وجود التجار وجهاً لوجه مع الفريق الحكومي يعطي رسالة واضحة مفادها أن التجار ليسوا هم المستهدفون للمحاسبة، بل هم موجودون للرعاية، وعلى الجميع أن يتحمل المسؤولية، لأنه ليس لدينا وصفة جاهزة لإرضاء الكل، وهدفنا توحيد سعر الصرف.
وقال رئيس المجلس الاستشاري محمود زنبوعة: «التهريب عمل غير مشروع، وتجري مكافحته، علماً بأنه شكل من أشكال اقتصاد الظل».
وأضاف: «الأهم حسب التجار أن هناك قلقاً على أنه يوجد نحو 50 مليار دولار هربت من سورية إلى لبنان، أليس من المفترض أن يتم استردادها، ومعرفة ماذا يريد التاجر السوري ليكون شريكاً حقيقياً»؟
نقد تجاري
انتقد رئيس اتحاد غرف التجارة غسان القلاع الفرق في أسعار الصرف بين مصرف سورية المركزي والسوق السوداء، والتي أدت إلى فلتان الأسواق، مؤكداً ضرورة إعادة النظر ببعض القرارات، مبيناً أنه ليس كل حائز على القطع الأجنبي تاجر، كما استهجن من بعض المطالب التي تقدم بها بعض التجار قائلاً: «أول مرة أسمع بها».
بدوره، أكد أمين سرّ الاتحاد محمد حمشو أنه لا يوجد توازن بين ارتفاع سعر الصرف وارتفاع الأسعار، منتقداً دوريات التموين التي تقتحم المحلات، وخاصة أن التاجر أصبح على دراية بهذا الموضوع ويأخذ كافة احتياطاته عند وجود الدوريات، ثم تعاد الأمور إلى ما كانت عليه لجهة الأسعار أو غيرها، لافتاً إلى أنه لا يوجد تاجر يبيع بأقل من سعر التكلفة، لذلك لابد من إعادة النظر ببعض القرارات، مشيراً إلى أن هناك مواد تحتكر بالمستودعات ثم تظهر، والأهم أن المهرّب هو المستفيد، لذلك نجد هناك تخوف وعدم ثقة بين الحكومة والتجار، والنتيجة أن رأس المال يتناقص، مؤكداً أن استقرار سعر الصرف هو الأساس للمحافظة على توازن السوق، وأردف قائلاً: «نحن نمد يدنا لشراكة حقيقية مع الحكومة، فارسموا لنا الخط ونحن نسير عليه».
وقال همام مسوتي: «إن وجود 3 أسعار للصرف أمر منهك للاقتصاد، ولنا كتجار، لذلك لابد من إيجاد حلّ وسط»، مضيفاً: «إن ضبط الأسواق من خلال دوريات التموين لا يمكن مطلقاً، فضبط الأسواق يكون عن طريق المنافسة»، مؤكداً أن الثقة مهزوزة بالإيداعات المصرفية ونحتاج لقرارات تشجع الاستثمار.
وقال رئيس غرفة تجارة حلب مجد الدين دباغ: «يجب أن نجد آلية حقيقية لتأمين حاجة البلد من المستوردات»، في حين أشار رئيس غرفة تجارة وصناعة طرطوس مضر اليونس إلى أن الضريبة على المستوردات غير عادلة في طرطوس مقارنة مع غيرها من المحافظات.
وقال رئيس غرفة تجارة وصناعة درعا قاسم مسالمة: «الأمر يحتاج إلى مرونة من الحكومة، كما نحتاج إلى آلية لتسهيل ودعم التجارة»، في حين قال رئيس غرفة تجارة وصناعة القنيطرة مفيد ماشفج: «مشكلتنا أننا لا ندرس المشكلة التي نعاني منها وإنما ندرس المشاكل المترتبة على المشكلة».
وأكد رئيس غرفة تجارة وصناعة دير الزور مازن كنامة أن القضاء على اقتصاد الظل يتطلب مكافحة الفساد ورفع مستوى الشفافية، في حين أشارت رئيسة غرفة تجارة وصناعة الرقة رندة العجيلي إلى أهمية النظر في موضوع المعابر، خاصة أن هناك تهريباً للماشية.
وطالب عضو غرفة تجارة دمشق منار الجلاد بضرورة إصدار تعليمات تنفيذية واضحة للمرسومين 3 و4، والتفريق بين المضارب بالعملة، وبين التاجر والصناعي ومن يعمل في الاستيراد والتصدير.