ثقافة وفن

عيد الحب…. اليوم الأنيق والمدلل

| جُمان بركات

اقترب اليوم الذي تنبت فيه الورود الحمراء في قلوب العشاق ليطغى اللون المفعم بالحياة على وجوه البشر، معلنين فيه يوم الحب أو عيد القديس «فالنتاين»، يمارسون فيه طقساً إنسانياً يحقق نوعاً من الفرح، وُصف بيوم مدلل وأنيق لا تقف الحواجز في وجهه ليصبح بدعة. يُحجز لعيد الحب يوم في التقويم السنوي الذي يصادف الرابع عشر من شباط، يضيء الشهر ويكون له العلامة المميزة، تمتلئ المحلات بالورود الكثيرة ويطغى اللون الأحمر ويصبغ به الشوارع، ينسى الناس في هذا اليوم أساس هذا العيد ويختصرونه على تقديم الورود والهدايا، نسوا أن من جسد هذا العيد كان شهيداً للحب وليس للهدية، يقيس اليوم البعض مقدار الحب بحجم الهدية، لم أستطع أن أجد هذا النوع من الحب إلا كعلاقة عكسية، فالحب لا يقاس ولا يخصص له يوم، المحبة تعاش في تفاصيل صغيرة.
في الواقع، ما نحتاج إليه فقط في زمن الحرب هو الحب، فهو الجذر الذي تقوم عليه العلاقات الإنسانية التي بدأت تزول معانيها، فهل اختلف معنى الحب بين الأمس واليوم في زمن يكاد الوضع المعيشي يطغى على كل شيء؟ في الحقيقة، لا يوجد حب قديم وحب حديث، فالحب هو الحب، لكن ربما تغيرت أشكال الممارسات وطرق التعبير عنه، فالجمال والخير والطيبة والعطف كلها قيم مصدرها واحد، وهو الصف الثاني في هرم الجسم العقلي الإنساني الذي يبدأ بالوعي والعقل ثم العواطف والأخلاق والمشاعر فالجسم الأثيري فالجسد، لذلك هي ثوابت كحاجتنا للأكسجين والماء والحياة، فهل تغيرت حاجتنا للأوكسجين منذ آلاف السنين حتى الآن؟
هل نحتفل؟
لا ينفصل مفهوم الحب عن الصدق لأنه طريق إلى الوفاء، فإذا غاب الصدق انهزم الحب وتأرجح بين أن يصعد إلى النجوم أو أن يسقط في بئر النسيان، بالحب نحتفل، هذا قانون حتمي، ولكن كيف وشراء الورود الحمراء -أهم رمز هذا العيد- وإهداؤها للمقربين والمحبين، له قيمة معنوية ونفسية أكثر منها مادياً الذي بات شبه مستحيل، ولا يمكن معرفة إن كان هذا العام الإقبال على شراء الورود كالعادة أم إن سعرها المبالغ فيه سيكون مانعاً للتعبير عن هذه الهدية المتواضعة في عيدها! في الواقع، بالتأكيد هذه الخطوة تستدعي التفكير والحيرة بين أمرين مهمين: الأول شراء وردة سعرها كاوٍ في الوقت الذي تكون فيه الجيوب فارغة وستذبل بعد يوم وينتهي مفعولها ويبقى دليلها المعنوي فقط، والثاني استبدالها بشراء الحاجات المهمة في الحياة! في الحقيقة، أصبحت الهدية بالنسبة للجميع تشكل عبئاً ثقيلاً وخاصة في ظل هذه الظروف الصعبة التي يمر بها الجميع، وبالتالي هل سنحتفل حقاً بعيد الحب هذا العام؟ يقول البعض أين الحب الذي نعيشه ونحن في ظل مكان لم يعد هناك من مطارح لتقاسم الحب فيها، والبعض الآخر يأتي معترضاً على هذا الكلام فيقول: «في هذه الأيام بالذات» ما نحتاج إليه هو فقط وقت للحب، فالحاجة لتلك المشاعر ولو ليوم واحد فقط نحتفل فيها أو نستذكرها على الأقل هو السبيل لإعادة السلام والأمان بيننا، ومن وجهة نظرهم حتى لو اقتصر هذا العيد على تبادل الكلمات الطيبة والهدايا المعبرة فقط يجب أن نحتفل بهذا اليوم الجميل.
وهناك من يقول: عيد الحب حاجة ماسة حتى نعود بذاكرتنا إلى أناس عاشوا معنا وقدموا لنا الكثير من المحبة والعطاء ونسيناهم أو انشغلنا عنهم في غمرة الحياة وشجونها، فنحن إن لم ندرك ونعي وجوده وأهميته في هذه الأيام فسنصل طريقاً مشوهاً جداً.
الحب
يقول تشارلز بوكوفسكي الشاعر والروائي الأميركي: «ثمة من الخيانة، الكره، العنف، السخف في الإنسان العادي ما يكفي لتجهيز أي جيش مفترض في أي يوم مفترض، والأفضل في الجريمة هم أولئك الذي يعظون ضدها، والأفضل في الكره هم أولئك الذي يعظون بالحب، والأفضل في الحرب أخيراً هم أولئك الذين يعظون بالسلم».
في الحقيقة، يمكن للشر أن يضرب نقاط ضعف كثيرة، ويمكنه أن يستغل النفوس الضعيفة، ولكن لدي يقين أن المحبة لن تسقط أبداً والوردة لن تتخلى عن أريجها مطلقاً، والحب يبقى رغم كل الظروف، وهذا السلاح الذي رفع في غفلة من العقل سوف ينزل ويوضع جانباً، لدي ثقة، وعندي إيمان.
دعا جبران خليل جبران في كتابه النبي إلى «المحبة» وغنتها السيدة فيروز بصوتها العذب:
«إذا المحبة أومت إليكم فاتبعوها، وإن كانت مسالكها صعبة متحدرة، إذا ضمّتكم بجناحيها، فأطيعوها، إذا المحبة خاطبتكم، فصدّقوها. المحبة تضمكم إلى قلبها كأغمار حِنطة، المحبة على بيادرها تدرسكم لتُظهر عُريكم. المحبة تغربلكم لتحرركم من قشوركم. المحبة تطحنكم فتجعلكم كالثلج أنقياء، المحبة تعجنكم بدموعها حتى تلينوا، المحبة لا تُعطي إلا ذاتها، المحبة لا تأخذُ إلا من ذاتها، لا تملك المحبة شيئاً، ولا تريد لأحد أن يملكها لأن المحبة مكتفية بالمحبة، بالمحبة».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن