قضايا وآراء

عُد إلى بيتك.. لا تَمُتْ من أجل أردوغان!

| د. بسام أبو عبد الله

من تابع كلمة رئيس النظام التركي رجب أردوغان أمام كتلته البرلمانية أمس الأربعاء، يلاحظ بشكل واضح للغاية حجم المأزق الذي هو فيه، إذ لم يُبق أحد إلا وهاجمه كالكلب المسعور، وأطلق تهديدات ذات اليمين وذات اليسار، وكأننا أمام شخص من الواضح أنه مأزوم وموتور، وبالطبع أطلق تهديداته ضد سورية، وهدد ضمناً الدول، لا بل سماها، الأنظمة الداعمة لها أي روسيا وإيران، ثم انتقل وهاجم المعارضة التركية ممثلة بـحزب الشعب الجمهوري، وعرّج على خليفة حفتر في ليبيا وهاجمه، وهدد بإسقاط الطائرات في إدلب، وباختصار الرجل في مأزق وفي ورطة، وخطابه يكشف هذا الوضع.
السؤال الذي يطرح هنا: إذا كان أردوغان يستعرض عضلاته أمام جمهوره، فهذا أمر مفهوم، ولكن من كان بهذه القوة والعنجهية لماذا هو بحاجة لـ«الناتو» ويتوسله، ولماذا هو بحاجة للأوروبيين ويطالبهم بدعمه! والجواب، أن كل هذه العنتريات لن تفيد بشيء، وإنذاره الفارغ حتى نهاية شباط، هو كلمة السر التي يجب أن نفهمها! أي حتى يتم إنجاز المرحلة الحالية من العمليات العسكرية التي يحققها الجيش العربي السوري وحلفاؤه، وهي مرحلة مهمة وأساسية، وتنفيذاً لاتفاق سوتشي الذي كذب أردوغان على بوتين فيه حينما وعده بتنفيذ هذه المراحل من الاتفاق، وناور أكثر من عام وأشهر عدة من دون أي نتيجة تذكر، سوى المزيد من دعم الإرهابيين.
الطريف في الأمر، لا بل الغريب أن بعض الكُتاب في الصحافة التركية يستخدمون كلمة «عدوان» على عمليات الجيش العربي السوري، هكذا وبكل وقاحة، كي يرضوا غرور أردوغان وينافسوه في النفاق والتضليل، منهم مثلاً سركان ديميرتاش، في «حرييت ديلي نيوز» الذي كتب أمس الأربعاء عن إدلب، واستخدم هذا المصطلح الغريب، ولكنه يُقرّ ضمناً أن أميركا لن تفعل له شيئاً، وأن الأوروبيين سيكتفون ببيانات مكتوبة ليس أكثر، ويطالب بألا تترك تركيا وحيدة في مواجهة الهجمات السورية حسب زعمه، فـ«مسكينة» تركيا كما يصورها، والأهم أنه يختم مقاله بالقول: لا أحد يريد بدء حرب بين سورية وتركيا، ولكن يمكن منعها فقط من خلال موقف صلب ومشترك بين الأطراف كلها، لكن صديقنا ديميرتاش لم يوضح أن الموقف الصلب يجب أن يكون تجاه أردوغان وحماقاته التي آن أن يوضع حدّ لها.
إشكالية أردوغان كانت ومازالت حقده الشخصي، ورؤية مشروعه العثماني الجديد ينهار أمام بوابات حلب ودمشق، والآن بوابات إدلب، والرجل يعتقد أن دم الجندي التركي أزرق، وأنه يساوي كما قال «النظام في سورية»، من دون أن يفهم ولو للحظة واحدة أن دم كل جندي سوري يعادل آل عثمان وسلاطينها وحزبه ونظامه ومشروعه كاملاً، وبالتالي عليه أن يفهم تماماً أن الجيش العربي السوري جيش بطل وأسطوري، وأن هزيمة مشروعه ستكون منكرة، ولن تجدي العنتريات الفارغة التي اعتدنا عليها والتي لا تقدم ولا تؤخر، ذلك أن أردوغان أصبح متعباً لكل الأطراف حتى للداخل التركي، وهو يزج جيشه ليس دفاعاً عن تركيا وأمنها القومي كما يدعي، إنما هو دفاع عن مصيره الشخصي، مصيره الذي يرتبط بكل تفصيل في سورية، مصيره الذي يحدده الرئيس بشار الأسد، وليس أي أحد آخر، مصيره الذي كان ومازال معلقاً بما سيحدث في سورية، مصيره الذي يذكره بـعدنان مندريس، وإعدامه في ستينيات القرن الماضي، على الرغم من أن مندريس كان خادماً مطيعاً للمشروع الأميركي، لكنه انتهى كما حال العملاء كلهم، ولذلك أردوغان يخشى من أن إخفاق مشروعه، وقد فشل، سوف يعني إنهاء دوره وحياته، ومن هنا خوفه وقلقه وتوتره الظاهر، والعصاب المصاب به في كل خطاب وتصريح فارغ وأجوف.
وحده الصديق وزعيم «حزب وطن» التركي دوغو بيرنتشيك حذره في مقال بـصحيفة «آيدنليك» قبل أيام من مصير صدام حسين، نصحه بحل وحيد لا يوجد غيره، وهو فتح الأقنية المباشرة مع دمشق ومع الرئيس الأسد، أما انتظار دعم أميركا فهو كمن ينتظر وهماً فارغاً، ذلك أن واشنطن لها مصلحة في دفعه نحو الصدام مع الجيش العربي السوري وحلفائه، بهدف إضعافه أكثر تمهيداً لإنهاكه وإسقاطه بعد أن استهلك.
تسأل أطراف تركية: لماذا يقتل الجنود الأتراك في إدلب، وعمن يدافعون! هل يدافعون عن جبهة النصرة، أم عمن! لا بل إن هذه الأطراف تقول: إذا كان الجيش التركي داخل سورية بناءً على اتفاق أضنة كما يقول أردوغان، فمع من وقع هذا الاتفاق! أليس مع الحكومة السورية! وإذا كان الأمر كذلك فلماذا لا تتم المباحثات المباشرة مع دمشق، وفوراً!
وفي حال القول إن أردوغان لا يعترف بالحكومة السورية، فإن هذا يعني أن هذا الاتفاق، أي أضنة، ساقط، ولا قيمة له، وبالتالي فإن الدخول التركي إلى سورية لا يستند إلى أي أساس قانوني حسب وجهة النظر هذه، على الرغم من أن الاتفاق لا يعطي أساساً أي حق بمثل هذا العدوان والاحتلال، كما أنه يقوم على أساس التفاهم، والتعاون المتبادل بين البلدين والحكومتين، وفق آليات أمنية للتنسيق.
حينما دخل جيش الاحتلال التركي إلى عفرين بسبب حماقة بعض أصحاب العنتريات من ميليشيا «قوات سورية الديمقراطية – قسد» قال أحد مستشاري أردوغان: «إننا من دون موافقة روسيا نحن عاجزون عن تطيير طائرة ورقية في الأجواء السورية»، وأعتقد أن هذه المعادلة لا تزال سارية المفعول حتى الوقت الراهن، وبالتالي فإن العدوان التركي المستمر لن يستطيع تغيير المعادلات التي ثبتها الجيش العربي السوري وحلفاؤه، وهذه المعادلات لها ما بعدها، أما مطالب أردوغان بالعودة إلى ما قبل ذلك هو كلام أجوف لا قيمة له ولا أثر، فالقرار بتحرير الأرض السورية نهائي، وما يتم بين فترة وأخرى من هدنٍ، واتفاقيات ليس إلا طريقة لتجريع كأس المرارة على مراحل.
وحده الفاشي دولت بهتشلي زعيم «حزب الحركة القومية» التركي، حليف أردوغان، مازال يعيش أضغاث أحلام بإسقاط دمشق كما يقول، كما عاش شريكه أردوغان أحلام الصلاة في الجامع الأموي!
أما العقلاء والوطنيون في تركيا فقد نشروا على وسائل التواصل الاجتماعي العبارة الآتية: «أيها الجندي.. عُد إلى بيتك.. لا تمت من أجل أردوغان»!
مشروع أردوغان سقط وانتهى، ولم يبق له سوى أن يختار بين الخروج مع حفظ ماء الوجه، أو الخروج ذليلاً، وعليه أن يختار أما العنتريات فقد فات أوانها، وداسها أبطال جيشنا والحلفاء، ومن لم يتعلم الدرس فعليه أن يراجع ذاكرته، وتاريخ ما جرى في سورية منذ عشر سنوات، وإن غداً لناظره قريب.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن