قضايا وآراء

دعوات لـ«الجهاد»!!

كمال خلف :

منذ اللحظة الأولى للغارات الروسية على مواقع للمجموعات المسلحة في سورية استنفرت أصوات إسلامية لدعاة ومشايخ للجهاد ضد الروس في سورية، وأصدرت بعض الفصائل الإسلامية في سورية بيانات تدعو للجهاد، كان أبرزها بيان لحركة الإخوان المسلمين في سورية تعتبر التدخل الروسي احتلالا لسورية والجهاد ضد الروس فرض عين على كل مسلم، وهذا يعني ببساطة أن كل مسلم أصبح مكلفا بشكل إلزامي الذهاب إلى سورية وقتال الروس.
المفارقة أن تدخلا أميركيا بدأ في سورية منذ عام تقريباً وكل يوم يعلن التحالف الأميركي غارات داخل الأراضي السورية، لكن هذا لم يستدع استنكارا أو دعوات جهاد ضد الولايات المتحدة، لم يستدع الدخول الأميركي العسكري تغطية يومية ومساحات بث خاصة لامبراطوريات الإعلام العربي الذي يفعل ذلك اليوم مركزا على أن الغارات الروسية تستهدف المدنيين وتسقط أطفالاً ونساء وتزيد من معاناة السكان، في الجانب الإعلامي بات صغير الجمهور العربي يفهم كما كبيره الأسباب التي تدفع لانتهاج هذه اللعبة الإعلامية التي تجعل من الروس تحت الأضواء دون غيرهم من القوى الغربية وتركيا التي عبثت طوال سنوات الأزمة بالداخل السوري. ولكن ماذا عن الشق الديني والخطاب الإسلامي، الذي ينبغي أن يكون مبدئيا. وان يقيس وفق النص والشريعة بمعيار واحد، فيبارك التدخل الأميركي بل يحثه على التدخل كما جرى في فتوى الشيخ يوسف القرضاوي على الهواء مباشرة بجواز استدعاء حلف الناتو لإسقاط نظام معمر القذافي في ليبيا، وكلام نفس الشيخ الذي يترأس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين وبالصوت والصورة في خطبة شهيرة له مخاطبا الولايات المتحدة قائلاً أما من غضبة لله يا أميركا في سورية.
الحاج باراك أوباما يومها لم يستجب للشيخ ولم يغضب لوجه اللـه وتراجع عن ضرب سورية بعد أن تم تفاهم بينه وبين روسيا على تجريد سورية من مخزونها الكيمياوي الإستراتيجي.
نتابع بخيبة كبيرة حماسة الجهاد ضد الروس في سورية واستنفار بعض الدعاة والمشايخ والعمم لاستنهاض الشباب لقتالهم في سورية، في حين قوات الاحتلال الإسرائيلي تقتحم يوميا باحات الحرم القدسي الشريف ويدنس أقدس مقدسات المسلمين، ويقاتل الفلسطينيون عزلا بالحجارة والسكاكين آلة الحرب الإسرائيلية، ولا نسمع دعوة واحدة للجهاد ضد إسرائيل، ولا نسمع كلاما عن غضبة لله من أجل المسجد الأقصى.
إنه ببساطة أيها الأعزاء الاستعمال السياسي والمالي للدين والشرعية، واغتصاب للرأي العام العربي والإسلامي واستهزاء بعقولنا. فمتى تتوقف هذه الغوغاء التي دمرت شبابنا ومجتمعاتنا وجعلنا امة أضحوكة بين أمم الأرض.
عندما دخلت القوات السعودية إلى البحرين لإخماد التظاهرات السلمية هناك، قالوا لنا إنه تدخل شرعي لأنه جاء بطلب من الحكومة البحرينية واستنفرت اللحى الطويلة لتحدثنا عن انقلاب شيعي على السنة متجاهلة أن المطالب هناك كانت محصورة بالدستور وتفعيل البرلمان والمشاركة السياسية، وعندما دخلت السعودية في حرب طاحنة في اليمن وقتلت الغارات السعودية من الأطفال والنساء أكثر مما قتلت من الحوثيين قالوا لنا هذا الرئيس الشرعي وأنصار اللـه انقلبوا على الشرعية، وعندما غزت قبل ذلك الولايات المتحدة العراق ساعدوها وشرعوا حربها وقالوا لنا صدام حسين طاغية والشعب العراقي يستحق الحرية، عندما غزا الناتو ليبيا قالوا لنا إن هذا الغزو شرعي لأنه يحرر الشعب الليبي. وعندما أعلنت الولايات المتحدة نية ضرب سورية فركوا اكفهم ببعضها حماسة وعبروا عن خيبة كبيرة عندما تراجعت، وعندما بدأت غاراتها على شمال سورية صفقوا لها وطالبوها بضرب الجيش السوري أيضاً وليس تنظيم الدولة فقط. وعندما شنت إسرائيل حربها على لبنان في صيف 2006 أدانوا حزب اللـه وقالوا لنا هؤلاء شيعة ورافضة. وعندما شنت إسرائيل حربها على غزة قالوا للفلسطيني اذهب أنت وربك فقاتلا أنا ههنا قاعدون.
والآن يستنفرون ويرفعون عقائرهم للجهاد ضد روسيا في سورية. ويريدون من الشباب المسلم أن يحج إلى سورية لقتال الروس وهم يتصدرون الشاشات بكروشهم المتخمة. لعمري إنه آن الأون كي تصمتوا مرة واحدة وإلى الأبد.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن