من دفتر الوطن

قصف العقول

| حسن م. يوسف

مِمَّن تأتمنه على قلبك تأتيك الصدمة الأكثر إيلاماً، لهذا قال أجدادنا: «من مأمنه يؤتى الحذر»، والحق أن الصدمات تتالت عليَّ تباعاً خلال هذه الحرب الإجرامية التي تشنها الفاشية العالمية وأذيالها على وطننا السوري، وكلما استعدت توازني وثقتي بالحياة، وحسبت أن الخذلان قد بلغ أقصى مدى ممكن له، تأتيني الصفعة التالية!
أمس اكتسحني الحزن كسيل جارف عندما قرأت كلاماً في منتهى السذاجة والسطحية والبذاءة لشخص كنت طوال أكثر من ربع قرن شاهد عيان على نظافة يده وعمق فكره ورصانة شخصه. وقد هالني أن ذلك الرجل حافظ على اتزانه طوال سنوات الحرب، لكنه بدأ منذ فترة يستخدم الشتائم المقذعة والكلمات البذيئة في تعليقاته وألسنة حاله على الفيس بوك، كما لو أنه قد تحول إلى شخص آخر. وقد بلغ الأمر ذروته عندما طالب وزير خارجية الجزائر مشكوراً قبل يومين بعودة سورية إلى جامعة الدول العربية، فوجه له الشكر ثم راح يكيل الشتائم للجامعة وللعرب وللعروبة ولم يترك أحداً من شره حتى حسبت أنه سيشتم نفسه!
لاشك أن ما يسمى «جامعة الدول العربية» كانت مخلب قط في الحرب على سورية، وصحيح أن معظم الحكام العرب ضالعون في مأساتنا إن لم يكن بدعم الإرهابيين فبتوفير الغطاء السياسي لهم، لكن من يخلطون نصف الصالح بالطالح، وينشرون اليأس والقرف والبذاءات هم غالباً من المخلصين الذين تم كي وعيهم بنجاح فباتوا يقولون ويفعلون ما يخدم أعداءهم ويتناقض مع ماضيهم وطموحاتهم.
تعلمون أن كيّ الوعي هو ضرب من القوة الناعمة التي تندرج في سياق حرب العقول، وغالباً ما تلجأ الدول الغربية لعمليات كي الوعي، أي قصف العقول، بعد فشلها في تحقيق أهدافها بالقوة العسكرية، من خلال الماكينة الإعلامية الجبارة التي تسيطر عليها وعلى رأسها محطات التلفزيون ومواقع التواصل الاجتماعي. وذلك من خلال التركيز على الأزمات الحياتية والمطالب المعيشية، بحيث تغطي على القضايا الوطنية والتحديات المصيرية. هكذا تصبح جرة الغاز والكهرباء هي الشغل الشاغل للناس. والحقيقة أن كثيرين ممن يولولون شفقة علينا نحن السوريين، هدفهم الوحيد هو كسر إرادتنا الوطنية وتبديد ثقتنا بأنفسنا وبعدالة قضيتنا، بحيث يصبح أقصى ما يطمح إليه السوري هو العودة إلى ما كان عليه قبل بداية الحرب.
نعم هناك فساد وبرد وأزمات، وممارسات غبية تسوق على أنها ذكية، لكن بعض من يطبلون ويزمرون للرفاهية في البلدان الأخرى لخلق حالة إعجاب وانبهار بها لدى الشباب السوري كي يهاجر إليها، وبعض من يقومون بتضخيم معاناة الناس في بلدنا، ليس هدفهم حل المشاكل التي نعاني منها بل تحويل المعاناة اليومية إلى قضية إنسانية تغطي على القضية الوطنية! أما الهدف الأقصى فهو ترسيخ الهزيمة في النفوس بحيث يعتقد المواطن أن الأوضاع لا يمكن إصلاحها وعليه الاستسلام لواقعه المرير.
أما كيُّ الوعي على المستوى الإقليمي فهدفه جعل الشعوب العربية تنظر إلى إسرائيل كصديق وإلى إيران كعدو بغية تمرير ما يدعى (صفقة القرن) ويهودية الكيان! لكن عملية كيّ الوعي العربي لا تزال متعثرة رغم كل ما يرافقها من تطبيل وتزمير. فالمتصهينون من الحكام العرب لا يجرؤون على اتخاذ أي خطوات حاسمة، وهذا ما أكده رئيس وزراء كيان العدو الصهيوني بنيامين نتنياهو إذ قال:
«أكبر عقبة أمام توسيع دائرة السلام ليست زعماء الدول التي تحيط بنا، بل هي الرأي العام في الشارع العربي».
نعم، لم تنج عملية كيّ وعي الشارع العربي، فالمعركة مستمرة، وأي ترويج لليأس هو انحياز للعدو.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن