من دفتر الوطن

مهن جديدة ومهن قديمة

| زياد حيدر

استعرض تقرير لصحيفة «الفيغارو» الفرنسية مهناً جديدة بدأ يتطلبها سوق العمل، وباتت رائجة، واستعرضتها شارحة وظائف كل منها.
وقالت الصحيفة إن مجموعة «راندستاد- فرنسا» قامت بفضل أداة البيانات الكبيرة التي تمتلكها، بتحليل الإعلانات المنشورة على أكثر من 11 ألف موقع للتوظيف في الوقت الفعلي، ولاحظت تطور تسميات الوظائف وتغيراتها، مما جعل من الممكن تحديد الوظائف الناشئة.
ففي العام الماضي -كما أوضحت المجموعة- فرضت خمس وظائف جديدة وجودها في سوق العمل في فرنسا، مشيرة إلى أن مبدأ لافوازيه المشهور «لا شيء يضيع لا شيء يخلق من عدم، كل شيء يتحول» صالح في مجال التوظيف كما يبدو، إذ إن هذه الوظائف في معظمها ليست إلا تطور وظائف كانت موجودة، وهي تعكس تغير احتياجات الشركات وتطور المعرفة، خاصة تحت تأثير التجارة الإلكترونية، كما أنها تعكس حاجة المجتمع لتنظيم شؤونه وإدارتها بطرق لم تكن موجودة من قبل، فرضتها الظروف أو التقدم التكنولوجي.
ومن بين الوظائف التي استعرضها التقرير وظيفة «فوتوغراميتر» أو «قيادة طائرات من دون طيار» وهي وفقاً لما يصف التقرير، مهنة مختلطة، وفي الآن نفسه تتخصص في رسم الخرائط وتحليل التضاريس وتتعلق أيضاً بقيادة الطائرات من دون طيار، ما يجعلها مهنة ناشئة مطلوبة في تقييم الموارد الطبيعية والتخطيط للمشاريع على التضاريس الصعبة، وهي مرتبطة بـ«مهام المسّاحين والمصممين». والمهنة الثانية المستجدة كانت مديراً للمناقصات الرقمية، وذلك في إطار عالم «التسويق الرقمي» الذي يحتل نصف سوق التسويق الآن في العالم المتقدم، وثمة تخصص جديد يتوسط بين الطبيب والممرض، وهو «المساعد الطبي» وهي مهنة ناشئة وفقاً للصحيفة تتمثل «إلى جانب إدارة العيادة في مساعدة الطبيب، بإجراء بعض الأعمال الطبية البسيطة بدلاً منه». «وهي مهنة كان ثمة ما يشابهها في سورية في بعض العيادات، وإن لم تكن ولا زالت دون تصنيف رسمي لدينا، إلا أنها وظيفة تم توسيعها بعد أن كانت حكراً في السابق على أطباء الأسنان في 2018، وتم إضفاء الطابع الرسمي عليها في فرنسا، بهدف «تفريغ الطبيب حتى يتمكن من توفير الوقت اللازم لأكثر الحالات تعقيداً».
ومبدأ لافوازيه الذي اعتمدت عليه عملية البحث، بأن لا شيء يضيع أو يخلق من العدم، وإنما يخضع لعملية تحول، قد تكون نحو الخلف أو الأمام، ذكرني بعودة مهنة الحطاب في بلادنا، والتجارة التي نشأت حول إعادة انبعاث هذه المهنة، والتي ترافقت ظروف نشأتها مع عودة توزيع الحليب للبيوت على الحمير بدلاً من سيارات البيك آب والدراجات، ومن ثم عودة استخدام المناقل للتدفئة وعودة تجارة التمز، وازدهار مهنة تصليح وإعادة تأهيل الدراجات الهوائية، دون أن يكون ذلك نتيجة تنامي الوعي البيئي بخطر الابنعاثات الكربونية للطاقة، وهي طاقة ليست موجودة لدينا تماماً يمكن القول.
وشبيه لمهنة الضرورة تلك، توجد مهن أخرى كثيرة.
الفكرة هنا، أن الظروف الحياتية إما تعيدنا لشروط العيش في مرحلة ما قبل الآن أو تدفع بنا لحياة نتشارك بها الآخرين صناعة الغد.
فالقضية هنا هي خلق الظروف المناسبة لأن نتطلع للمستقبل، لا أن نبحث عن مهن الماضي لتسيير شؤون الحاضر.
وهذه لم تكن يوماً مهمة المواطنين العاديين بل مهمة من هم أكبر منهم شأناً، الدولة باختصار.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن