ثقافة وفن

المخرجة رباب مرهج في أول تجاربها الاحترافية … «عنها» حكاية امرأة تسعى للتمرد والرفض وسط مجتمع تتخبط فيه أرواح بين القبح والجمال

| وائل العدس

مع بزوغ الفجر، ووسط درجة حرارة جليدية تقارب الصفر المئوية، تدور كاميرا المخرجة رباب مرهج وسط دمشق إيذاناً بانطلاق تصوير الفيلم الروائي القصير «عنها» من تأليفها وإنتاج المؤسسة العامة للسينما.
هذا الشريط هو الفيلم الاحترافي الأول لمرهج بعد فوزها بالجائزة الذهبية لأفضل فيلم في مهرجان سينما الشباب والأفلام القصيرة بنسخته السادسة التي عقدت الصيف الماضي.
يتناول الفيلم حكاية امرأة.. وطن، كيف خانوها وعذبوها من أجل المال وحرية واهمة، هي روح هائمة حاولت أن تكون، أسموها غيمة ولكن كبلوها في الأرض، وسط مجتمع تتخبط فيه أرواح وأرواح بين القبح والجمال، هي مونولوجات متعبة لضمير، لامرأة تعارك الحياة، هي ضحية تسعى للتمرد والرفض ولأن تكون هي.
ويشارك في الفيلم تمثيلاً فايز قزق، ميلاد يوسف، روبين عيسى، فاضل وفائي، محمد وحيد قزق, نجاة محمد، سلمى سليمان.

التجربة الناجحة
ألمح الممثل ميلاد يوسف إلى أن السينما تحرر الممثل من قيود الدراما ابتداءً بالنص ومروراً بالكاميرا وانتهاءً بأدق التفاصيل الأخرى، واصفاً تجربته مع المخرجة رباب مرهج بالناجحة والسعيدة، مشيراً إلى أنها مخرجة واعدة متمنياً أن تتكرر هذه التجربة مرة أخرى.
وقال: ألعب بالفيلم دور الضمير، ضمير ممثلة نجمة تعيش مجمل تفاصيل الحياة بحسناتها وسيئاتها، تتعرض لاضطهاد لا تستطيع البوح فيه، ليتولى الضمير المهمة قولاً وفعلاً.
وأضاف: يقدم الفيلم حكاية امرأة تعجز عن قول وفعل أمر ما، ليأتي دور الضمير ليمثل الأنا السفلي والمكنونات الداخلية لهذه الأنثى، والمميز أن هذا الضمير كان رجلاً متمرداً على المجتمع بالأفكار والطرح والشكل، وكان يقف ضد كل اضطهاد تتعرض له المرأة.
وأكد أن موضوع الفيلم يحمل نوعاً من الجنون، ويذهب باتجاه الأقصى إن كان باللقطات أو المشاهد أو مساحة اللعب، الأمر الذي يخلق نوعاً من المتعة، وقد اتجهنا في الفيلم للشيء الغريب والذي لا نستطيع فعله عادة، الأمر الذي حفزني لأكون مجنوناً بالخروج عن التقليد.
بين التخيل والعبثية أين المساحة الواقعية في الفيلم؟ سؤال أجاب عنه: الواقع هو الشارع، هو الناس وتفاصيلهم الحياتية، والتناغم بين الواقع والجنون يُشعر المشاهد بأنها لحظات تمثله ويتمنى أن يعيشها.
وإن كان الفيلم قد كسر النمطية المتعارف عليها في الأفلام القصيرة، بيّن أنه بالانطباع الأول ومن خلال الصور، لاحظ الناس كسراً للنمطية من ناحية الشكل أولاً، وقد تم اختيار الشكل حيث نذهب به إلى الأقصى، وحيث يكون ضمير النجم متحرراً، وهي المساحة نفسها التي لا تستطيع التعبير عنها في الدراما، ما يعني أن الفيلم يجنح نحو التجديد.
وعن سر اللون الأزرق الذي صبغ به شعره، قال إن الأزرق انعكاس للسماء الصافية التي تتبدل أحياناً فتصبح رمادية وسوداء وحمراء في بعض الأوقات، لكن الأزرق يبقى هو الأساس.
ولم ينفِ أن الفيلم ربما يخلق إشكالية عند الجمهور، وخاصة أن الغرائبية والأسلوب ستصّعبان على الناس مهمة فهم مغزاه، الأمر الذي سيخلق تبايناً في الآراء، وهو أمر صحي بالنهاية.
وأضاف: الإنسان يعبر عن أفكاره ومخيلته، لكنها أحياناً لا تصل، ولذلك فإن الفيلم يحتاج للاهتمام والإصرار على المشاهدة، وذلك لا يتعلق بالثقافة وإنما بالعفوية، لدرجة أن المشاهد ممكن أن يرى نفسه في لقطة صغيرة، لأن الشخصيات موجودة أصلاً في الحياة.
وشدد على أن السينما السورية باتت تمتلك مجموعة من المواهب الشابة القادرة على الوقوف وراء الكاميرا، حاملة معها أفكاراً غير تقليدية.

عبثية ولا منطقية
‎وكشفت الممثلة روبين عيسى أنها تؤدي دور الممثلة، مشيرة إلى أن النص لامسها منذ القراءة الأولى، لعلاقته المباشرة بالوجع فهو يتناول حكاية امرأة.
وتابعت: الفيلم يتحدث عن حياة عبثية ولا منطقية تعيشها هذه المرأة التي تعارك الحياة في مجتمعها ومحيطها المتخبط.. هي ضحية تسعى للتمرد والرفض ولأن تكون هي
الفيلم المقتبس من الواقع المعاش، وكم هو جميل أن نوظف هذه التفاصيل بفيلم يشبه واقعنا بقالب فني سينمائي.
هل ستشكل هذه العبثية صعوبة لدى المتلقي؟ أجابت: لا، فالمهمة هي أن نوصل الفكرة والمراد قوله للمتلقي وهذا ما كنا نعمل عليه خلال التصوير ومن خلال طريقة العمل.. نحن نعي تماماً ما نقوله في الفيلم، وأنا كممثلة واعية لكل ما أقوله عبر شخصيتي التي قدمتها لتقديمها بالشكل الصحيح.
وتحدثت عن تعاونها مع رباب مرهج فقالت: أعجبت بالنص وآمنت بفكرته، ومنذ لقائنا الأول وصلني ما تريد المخرجة قوله من النص وحملتني باتجاه الشخصية، وفهمت ما بداخلها، واستمتعت بالتجربة، وأحببت الجنون الحاضر في النص وبطريقة طرحه، وأتمنى لها ولنا كل التوفيق.

حرارة الحب
بدوره كشف الممثل كرم الشعراني أنه يجسد شخصية الزوج، الشاعر المتسلط والظالم والقاسي والذي يمثل الذكر وليس الرجل في المجتمع الشرقي، مشيراً إلى أن الفيلم يتناول تعرض الأنثى للظلم والتمرد.
وفي حديثه عن الصعوبات، أكد أن الصعوبة الأولى تكمن في البرد الذي لا يمكن تحمله، وخاصة أن التصوير يبدأ في الخامسة صباحاً.
وأضاف: لكن لا صعوبات بما يتعلق بالأداء، لأن المخرجة مرنة، وطريقة تعاطيها تجبرك باللاوعي على العطاء بحب مضاعف، ورغم قسوة البرد وخفة الأزياء التي نرتديها، إلا أننا نعوضها بحرارة الحب التي تمنحها لنا رباب.
وأوضح أن الستايلات وطريقة التعاطي والتصوير تحمل نوعاً من الغرائبية والجنون، لكنه مفهوم تماماً، وعند العرض سيتأكد المشاهد أن كل شيء واضح بالنسبة إليه.
واستبعد أن يكون الفيلم موجهاً للنخبة فقط، مشدداً أنه سيكون موجهاً ومفهوماً للجميع من دون استثناء رغم ما يحمله من خيال وغرابة.
وأشار إلى أن السينما تمنح الممثل كامل الحرية بمناقشة المشكلة وشرحها، على حين تذهب الدراما لقضايا مفتوحة وكثيرة الجوانب فتقيدك لأنها تحمل خيوطاً درامية لا تستطيع الحياد عنها لأنك ملتزم بها، بعكس السينما تماماً بما تحمله من خط معروف وخريطة عمل واضحة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن