من دفتر الوطن

حوار هاتفي بين عالمين!!

| عصام داري

اتصلت بشقيقي المقيم في إسبانيا منذ أواخر السبعينيات من القرن الماضي كي أطمئن عن حاله وأحواله والصحة وما إلى ذلك، لكنني أردت الاطمئنان عليه بشكل أفضل فسألته سؤالاً مباشراً: هل عندك أسطوانة غاز؟
لم يفهم سؤالي، فشرحت له المقصود، وذكّرته بأننا كنا نشتري تلك الأسطوانة عندما كان في سورية بثلاث ليرات على ما أذكر، فاستغرب سؤالي وسألني ضاحكاً: أما زلتم تتبعون هذا الفولكلور؟ فالعالم نسق تلك الأسطوانات وصار الغاز يأتي إلى المنازل بالأنابيب كالمياه على سبيل المثال؟
وتجرأت وسألته مرة أخرى: كيف حال التقنين عندكم؟ فانفجر ضاحكاً وقال: قبل مغادرتي أرض الوطن أتذكر أن وزارة الكهرباء فرضت تقنيناً بشكل من الأشكال، لكنني لم أتصور أن يظل هذا التقنين ونحن في القرن الحادي والعشرين.
هذه المرة أنا الذي استغربت، وسألته: يعني أنكم بلا تقنين ولا أسطوانات غاز ولا بطاقة ذكية، روحوا تضربوا «أنتو وهـ العيشة».
عفواً، هل قلت البطاقة الذكية؟ سألني شقيقي، فأصابتني الدهشة، فهل يوجد شخص في المعمورة لا يعرف البطاقة الذكية، وما أدراك ما البطاقة الذكية؟
قلت له: هي شبيهة ببطاقات الدفع الإلكترونية عندكم، أي البطاقة الممغنطة التي تسحب بواسطتها أموالا من الصرافات وتدفع ثمن مشترياتك من السوبر ماركت والمولات وغير ذلك.
وهل تسمونها البطاقة الذكية؟ أجبته بالإيجاب، فسألني: وما الفوائد التي تجنونها من هذه البطاقة غير تلك التي نعرفها هنا وفي بقية دول العالم؟.
هنا قررت أن أشرح له فوائد كل المغريات التي نتمتع فيها على طول الوقت، فقلت له:اسمع يا رعاك الله، على طريقة البجيرمي:
البطاقة الذكية نحلبها كالبقرة، ونستخرج منها السكر والأرز والشاي، وقريباً ستوفر لنا الزيت والسمنة والمعلبات، إضافة إلى المازوت والغاز والبنزين ومواد أخرى ما أنزل اللـه فيها من سلطان.
أما فوائد فقدان أسطوانة الغاز فعد على أصابع اليدين ما يأتي: فأولاً حبيبتي أنت – كما يقول الشاعر نزار قباني – فأنت ستلاحق أسطوانة الغاز وكأنها حبيبتك، من شارع إلى آخر، ومن موزع إلى آخر، وهي تسوق عليك الدلال كما يغني محمد فوزي! وهذا اللف والدوران سينشّط دورتك الدموية باعتباره رياضة سباق المسافات الطويلة فيخف وزنك ويطير عقلك، والمجانين في نعيم!
أما فوائد تقنين الكهرباء فأكثر من أن تعدد، منها أنك ستنام مبكراً بسبب انقطاع التيار الكهربائي، وهناك نصيحة طبية تتحدث عن فوائد النوم باكراً، وليس صحيحاً ما جاء على لسان الشاعر(فما أطال النوم عمراً ولا قصّر في الأعمار طول السهر) لأن الدراسات الحديثة تؤكد أن قلة النوم تقصر الأعمار، وحكومتنا حريصة على طول أعمارنا، وقطع التيار الكهربائي دليل أكيد على ذلك، ومن الطبيعي أن قطع التيار الكهربائي على فترات على المواطنين يرمي فيما يرمي إلى توفير الطاقة لاستخدامها في المشاريع الحيوية التي يعود ريعها على المواطنين أجمعين.
أما تقنين وتقليل المواد التموينية فالغرض منه الحفاظ على الصحة في ظل البدانة والسمنة المرتفعة بشكل كبير بسبب النهم والشراهة، و..
ولم أكمل كل الفوائد حتى بادر شقيقي من مدريد وهتف بأعلى صوته: فعلاً نحن محرومون هنا، سأحجز بأقرب طائرة لأتمتع بما احتكرتم من متع الحياة.. إلى اللقاء عند بياع الغاز!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن