قضايا وآراء

ترامب وقادة اليهود والأميركيين والرياض

| تحسين الحلبي

تأكيداً «للأمر التنفيذي» الذي أصدره الرئيس الأميركي دونالد ترامب قبل أسابيع والذي يطلب فيه من المؤسسات التشريعية والتنفيذية الأميركية منع أي مظاهر «لمعاداة السامية» أي لمعاداة اليهود وتحديد العقوبات التي يتعين فرضها على كل من يعادي إسرائيل و«الشعب اليهودي» قررت ولاية جورجيا تبني قانون يقضي بعدم منح أي ترخيص لأي فرد أو شركة تريد إجراء أي عقد وظيفة بقيمة ألف دولار على الأقل في أي وكالة للولاية إلا إذا وقع على وثيقة يتعهد فيها بعدم مقاطعة أي تكنولوجيا وصناعات إسرائيلية لأن القانون يعتبر مقاطعة البضائع الإسرائيلية جناية تمييز ضد اليهود كلهم وضد إسرائيل. وكانت القيادة الإسرائيلية قد طلبت من الرئيس ترامب تبني مثل هذه القوانين لأن «حركة «BDS» لمقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها ومعاقبتها» تمكنت من النجاح في نشاطها حتى في أوساط اليهود الأميركيين الذين يرفضون سياسة إسرائيل في الأراضي المحتلة وضم المستوطنات.
بل إن كل من يعد نفسه مناهضاً للصهيونية ولسياسة إسرائيل أصبح ينطبق عليه الاتهام «بمعادة السامية» بموجب ما أعلنه الرئيس ترامب ومبعوثه الخاص لمنع «معاداة السامية» و«الصهيونية» في العالم، وكان عدد من الموظفين الأميركيين في مصح نفسي للأطفال في هيوستون قد جرى تسريحهم من العمل لأنهم رفضوا التوقيع على هذا الشرط الذي تبنته بعض الولايات الأميركية لمنع معاداة اليهود! وتقدم بعض الذين طردوا من وظيفتهم بدعاوى قضائية في محاكم داخل الولايات المتحدة ضد هذه الشروط.
وسائل الإعلام الأميركية ذكرت أن الزيارة التي قام بها عدد من قادة اليهود الأميركيين إلى الرياض قبل أسبوع وفي مقدمتهم رئيس رؤساء المنظمات اليهودية الأميركية مالكولم هونلاين، قد فتحت بوابة واسعة لكي يطلب قادة اليهود الأميركيين من العائلة المالكة مساعدتهم على منع معاداة السامية أو معاداة اليهود والصهيونية لأن دور العائلة المالكة مؤثر في العالم الإسلامي والعربي.
وذكر رئيس المؤتمر اليهودي آرثر ستارك لوكالة «نقابة الأبناء اليهودية – جي إن إس» أن القادة اليهود شرحوا كل ما يرغبون به للمسؤولين السعوديين وأنهم يأملون في تحقيق ما طلبوه من المسؤولين السعوديين، وذكر «ستارك» أن وزير الخارجية الأميركي «مايكيل بومبيو» أعلن لهم أنه يتبنى كل ما يطلبونه من السعودية وسوف يعمل لتحقيق ذلك، وكشف ستارك، أن عدداً من المسؤولين السعوديين عمل على تجنب الظهور أمام وسائل الإعلام مع قادة اليهود بخلاف الأمين العام للمنظمة العالمية الإسلامية محمد العيسى الذي ترأس وفداً إسلامياً لمشاركة يهود العالم بالعزاء على «محرقة أوشفيتس» وظهر في كل وسائل الإعلام.
يبدو أن بعض الحكام العرب لا يدركون أنه كلما تنازلوا لإسرائيل بضغوط أميركية لن تتوقف إسرائيل عن دفعهم إلى المزيد من التنازلات وستعرض عليهم تبني القانون نفسه الذي يدعو الرئيس ترامب الولايات المتحدة إلى تبنيه بمحاربة ومعاقبة ومقاطعة كل من يقاطع بضاعة إسرائيلية لأنه يعد ذلك «معاداة لليهود»، فماذا سيفعل هؤلاء الحكام مع شعوبهم التي تلعن إسرائيل والصهيونية كل يوم لاغتصابها فلسطين والقدس بكل مقدساتها؟ هل سيتحملون غضب وثورة شعوبهم حين يطلبون منهم الامتناع عن مناهضة إسرائيل أو عن تأييد استعادة القدس لأصحابها الفلسطينيين؟ إن ما تريده إسرائيل من الحكام العرب، الأصدقاء للولايات المتحدة أو المتحالفين معها، أكبر من طاقتهم لأن الشعوب العربية حتى في الدول التي وقعت على اتفاقات تسوية أو علاقات تمثيل مثل عمان وقطر، ما تزال وستبقى ترفض التطبيع مع إسرائيل وسترفض شروطه أو الانصياع له على غرار ما يجري في بعض الولايات الأميركية، لكن ترامب ونتنياهو لا يهمهما ما سوف يحدث لهؤلاء الحلفاء الحكام حين يطلب منهم معاقبة كل من ينتقد إسرائيل وسياساتها واحتلالها.
لا أحد يستبعد أن يطلب ترامب من أصدقائه الحكام العرب قبل نهاية ولايته خلال هذا العام، تشريع قانون رسمي يفرض عقوبات على كل من لا يتعهد عند توظيفه في الدولة أو الشركات الخاصة بالامتناع عن «معاداة السامية» أي بالامتناع عن انتقاد إسرائيل واحتلالها وجرائمها ضد كل العرب وليس ضد الفلسطينيين وحدهم، وربما يطالب ترامب العرب بفرض غرامة مالية كبيرة على كل من ينتقد إسرائيل وتحويل هذه المبالغ لها طالما أنه يفرض ثمناً مالياً ضخماً على بعض الدول العربية بحجة حمايتها ونشر القوات الأميركية فيها!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن