قضايا وآراء

مؤشرات الخسارة التركية

| محمد نادر العمري

من المؤكد أن الإنجازات العسكرية للجيش السوري بدعم من حلفائه وأصدقائه سترخي بظلالها على كل المسارات المتعلقة بالملف السوري، وبخاصة بعد القفزات النوعية والسريعة في منطقة خفض التصعيد الرابعة والأخيرة وإعلان تحرير مدينة حلب بالكامل وتأمينها بعد تحرير أريافها الشمالية الغربية والجنوبية وصولاً لريف إدلب الشرقي واستعادة الطريق الدولي «أم5»، وتأثير ذلك على مصالح القوى المتصارعة وليس فقط على سلوكياتها التي قد تدفعها للجوء لخيارات قد تشكل في بعضها القليل، تهوراً لا يحمد عقباه، وفي بعضها الآخر يشكل استفزازاً وأداة ميدانية للضغط في وقف الزحف السوري والعودة للاتفاقات السياسية الهشة، وبخاصة من قبل النظام التركي الذي تلقى صفعات متتالية في الآونة الأخيرة تمثلت بـ:
1. الحسم السريع والنوعي للجيش العربي السوري ميدانياً وبفترات زمنية قياسية، أُسقطت من خلالها كامل الأحلام والأوهام والأجندات التركية مع سقوط التحصينات للمجموعات الإرهابية وتطبيق بنود سوتشي عسكرياً وبما لا يرغبه ولا يتناسب مع مصالح النظام التركي، لذلك سارع الأخير للجوء نحو إقامة نقاط مراقبة جديدة كمرحلة أولى لمنع التقدم السوري ومن ثم أقدم على تزويد المسلحين بأسلحة نوعية ومتقدمة من صواريخ حرارية وراجمات الصواريخ وصولاً لمشاركة نقاط مراقبته وقواتها بنقل المسلحين وبخاصة الأجانب من «الحزب التركستاني» و«أجناد القوقاز» و«جبهة النصرة» لجبهات القتال ومنحها غطاء مدفعياً في أكثر من جبهة وتوقيت.
2. الموقف الروسي الصارم والحازم بالقضاء على التنظيمات الإرهابية في منطقة خفض التصعيد الرابعة، ودعم أحقية الدولة السورية في استعادة سيطرتها على أراضيها، وهذا برز من خلال مروحة من المؤشرات:
أولاً: رفض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مطالب النظام التركي سواء من رئيس هذا النظام أو تصريحات مسؤوليه لعقد اجتماع قمة بين الجانبين للوصول لاتفاق سياسي أو إحياء الاتفاقات السابقة، وهذا يعبر عن انزعاج قيادة الكرملين من السلوك التركي بعد التصريحات النارية التي قذفها رئيس النظام التركي رجب أردوغان نحو روسيا أثناء زيارته لأوكرانيا واستخدامه عبارة «المجد لأوكرانيا للأبطال المجد»، بما تحمله من معانٍ استفزازية ومثيرة للاشمئزاز للكثيرين في روسيا على المستويين الرسمي والشعبي، وإعلان أن بلاده لم ولن تعترف بما وصفه بـ«ضم» روسيا لشبه جزيرة القرم.
ثانياً: تأكيد وزير الخارجية الروسي إلى جانب عدد من مسؤولي الخارجية والدفاع الروسيتين وبياناتهما بضرورة اقتلاع الإرهاب من الأراضي السورية، وهذا ما عبر عنه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أثناء مؤتمر ميونخ بالقول: «إن استهداف التنظيمات الإرهابية لم يتعارض مع اتفاقي مناطق خفض التصعيد وسوتشي»، فضلاً عن توجيه الاتهام للنظام التركي من قبل الإعلام الروسي المقرب من دوائر صنع القرار بتزويد الإرهابيين بأسلحة نوعية وبصورة خاصة منظومة الدفاع الجوي الأميركية المحمولة والتي تستخدمها السفن التركية، ونشر صور ومقاطع توثيقية عن ارتداء المجاميع المسلحة للزي العسكري التركي.
ثالثاً: خيبة الأمل الجديدة التي تلقاها النظام التركي من شريكيه الأميركي والحلف الأطلسي، اللذين عبرا عن دعمهما للموقف التركي ومصالحه في إدلب بالتصريحات فقط، واستبعدا أي تدخل عسكري إلى جانبه في أي حرب أو صراع مع الجيش السوري ومن خلفه روسيا وإيران وفصائل المقاومة، وهذا ما عبر عنه صراحة مستشار الأمن القومي الأميركي روبرت أوبراين، الذي استبعد في ندوة له بواشنطن حول إدلب أي احتمال للتدخل العسكري لبلاده، والخيبة الأمل هذه دفعت النظام التركي لاعتبار تصريح المبعوث الأميركي حول سورية جيمس جيفري بأنها «دون نفع وفائدة» عندما وصف قتلى الجنود الأتراك في سورية بـ«الشهداء»، وهي، أي خيبة الأمل، دفعت وزير دفاع أنقرة خلوصي آكار للتعهد بضرب الإرهابيين المتطرفين في إدلب «بيد من حديد» في حال خرقهم لاتفاق سوتشي، في رسالة مزدوجة أولها تعني خيبة الأمل من عدم الحصول على الدعم المطلوب الحسي الذي طالب به آكار حلف الأطلسي لتقديمه أثناء اجتماع وزراء دفاع الحلف، وثانيهما لموسكو في محاولة لتقديم تعهد جديد بتنفيذ بنود سوتشي شريطة قيام موسكو بالضغط على الجيش السوري لوقف عملياته.
المؤشر الرابع: سعي روسيا إلى إحداث خرق على أكثر من موقف للقوى الفاعلة من شأنه تغير معادلات التوازن والاصطفافات وبما ينسجم مع التطورات الميدانية التي تصب لمصلحة سورية وبما لا يتوافق مع المسعى التركي، أولها يتمثل في التنسيق الروسي السعودي الإماراتي لأن تتولى الرياض إعادة هيكلية ما يسمى «وفد الهيئة العليا للتفاوض» من خلال مؤتمر القاهرة في بداية آذار القادم، وأن تُمنح الإمارات فرصة استقدام القوى الكردية في الشمال الشرقي من سورية للمؤتمر وأن تنخرط ضمن الهيكلية الجديدة، وهو الخرق الثاني المؤثر إيجاباً في احتمال عودة المناخات الفعالة لاستكمال جلسات لجنة مناقشة الدستور وبتأثير أقل من التركي، إن لم نبالغ في القول بسحب كامل التأثير إن استطاعت موسكو من نقل التأثير والتحكم بالمعارضة من أنقرة باتجاه الرياض، مستغلة الصراع الإيديولوجي بين تركيا والسعودية لتفعيل مساعيها لإعادة الأجواء والعلاقات بين سورية والمملكة كمقدمة لعودة سورية لجامعة الدول العربية، وما يدعم هذا المؤشر حدثان مهمان: الأول مشاركة بعض القوى من ميليشا «قسد» في القتال إلى جانب الجيش السوري في ريف حلب، والثاني: التخوف الكردي من توسع عدوان تركيا في الشمال الشرقي من سورية للانتقام من روسيا وسورية، وهو ما دفع «قسد» لعقد اجتماع طارئ وبطلب منها مع شخصيات مثلت الجيش العربي السوري في مطار الطبقة العسكري منذ أيام، بهدف دعوة الجيش رسمياً لزيادة وجوده العسكري وتدعيم الخطوط القتالية في مناطق شمال بلدة عين عيسى، وذلك بعد استقدام قوات الاحتلال التركي لتعزيزات عسكرية إلى كامل خطوط التماس في المنطقة.
المؤشر الخامس يتمثل في كلام لافروف بمؤتمر الأمن في ميونخ بأن أهداف روسيا وإيران وتركيا مختلفة في سورية، وهو تصريح يحمل واقعية ودلالة في غاية الأهمية، ولاسيما استعادة حلب والطريق الدولي «أم5» يصب في مصلحة كل من سورية وروسيا وإيران اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً، فالجانب الأول الاقتصادي يخدم الدولة السورية في عودة النشاط لعاصمتها الاقتصادية ويمكنها من إعادة ربط شمال الجغرافية السورية بجنوبها وشرقها عبر عقدة المواصلات التي كانت تحقق مدخولاً لخزينتها عبر الطرق الدولية قبل الأزمة يتجاوز 2مليار دولار، وهو ما قد يدفع دول الخليج وبخاصة الإمارات للاعتماد على شبكة المواصلات هذه وتفعيل معبر نصيب الحدودي باتجاه الساحل بعد توفر معلومات عن تعهد الأخيرة بالتنصل من «قانون قيصر» مقابل وقوفها إلى جانب سورية ضد توسع النفوذ التركي، وقيام السلطات الأردنية بإبلاغ القائم بالأعمال السوري في عمان عن رغبتها بكسر حالة الجمود وشبه الحظر في التجارة بين البلدين عبر إرسال وفد اقتصادي رسمي خلال الأسابيع القادمة برئاسة وزير الصناعة والتجارة طارق الحموري للبحث حول خريطة التعاون، وهذا يحقق فوائد اقتصادية لسورية تساعدها على مواجهة الحصار المفروض عليها.
بالنسبة لروسيا، سيشكل تفعيل هذا الطريق مساراً لنقل منتجاتها إلى الدول العربية والأفريقية، وبهذا الطريق ستنشط الكثير من الاستثمارات الروسية في سورية كتسهيل نقل منتجاتها إلى المصادر النهائية، فروسيا مثلاً لديها الفوسفات تسعى لتصديره براً أو بحراً، وبالتالي تجد نفسها مضطرة لجعل استثماراتها منطقية وذات جدوى اقتصادية بتوفير طريق بري يوفر من تكاليف النقل، ويتميز طريق «إم5» بأنه طريق جاهز وذو بنية تحتية جيدة جداً وكل ما في الأمر أنه يحتاج إلى بعض الترميم وتكلفته بسيطة جداً.
وإيران عبر هذا الطريق يمكنها الوصول إلى طريق «أم4» أي طريق حلب اللاذقية بعد تحريره والمتصل بالطريق البري إلى العراق، وبالتالي تصل إلى الساحل السوري، وكسر الحصار المفروض عليها.
أما من الناحية العسكرية، وبالسيطرة على الطريق، فإن الجيش السوري يستطيع السيطرة عسكرياً على مناطق واسعة من إدلب ويكشف مناطق انتشار المسلحين غرباً، ويتمكن من حرمانها من منطقة محصنة لطالما كانت منطلقاً لعملياتها ضد الجيش السوري.
ويمكن عن طريقه اختصار أكثر من 252 كم وهي مسافة الطريق الحالي بين حلب وحماة مروراً بمدينة السفيرة وبلدة خناصر شرق إدلب، بمسافة 142 كم من حلب وحتى حماة باستخدام هذا الطريق، وبالتالي الابتعاد عن طريق البادية أو ما يعرف بطريق الموت الذي تغذيه واشنطن بعناصر داعش.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن