قضايا وآراء

حين يتحدث الإسرائيليون عن هزائمهم

| تحسين الحلبي

في الرابع من شهر شباط عام 1997، قتل 73 ضابطاً وجندياً من قوات الكوماندوس الإسرائيلي داخل حدود فلسطين المحتلة منذ عام 1948، قرب حدود جنوب لبنان، في ذلك الوقت ليلاً أرسلت قيادة الجيش الإسرائيلي أثناء احتلالها للجنوب مروحيتين عسكريتين تحمل كل هذا عدداً من الجنود لإنزالهم ليلاً في أكبر غارة أرادت بواسطتها مفاجأة قوات المقاومة اللبنانية بمذبحة على الأرض لكن الفزع والذعر الذي أصاب الطيارين في المروحيتين عند اقترابهما من حدود جنوب لبنان المحتل في ذلك الوقت تسبب باصطدام المروحيتين ومقتل جميع الجنود والضباط.
وفي ذلك الوقت نشر الكثيرون من المحللين الإسرائيليين العسكريين تحليلات عما جرى معظمها كان يؤكد الذعر الذي كان يتملك الطيارين في كل مروحية خوفاً من إصابتها بنيران المقاومة إلى أن وقع الارتباك داخل كل مروحية وانقلبت المذبحة المعدة للمقاومة وتحولت إلى مذبحة بأيدي نفس الطيارين الإسرائيليين لنفس الضباط والجنود.
وقد تسببت هذه النتيجة بانهيار معنويات الجنود الإسرائيليين وتناقصت ثقتهم بالضباط والطيارين.
كان بنيامين نتنياهو نفسه رئيساً للحكومة في ذلك الوقت فدفع ثمن هذه العملية بعد عامين بخسارته للانتخابات عام 1999 أمام منافسه إيهود باراك الذي رأى فيه الناخبون في إسرائيل أكثر خبرة عسكرية من نتنياهو، فإذا به يسلّم بهزيمته أمام المقاومة اللبنانية في أيار عام 2000 ويسحب قوات الاحتلال من الجنوب اللبناني من دون قيد أو شرط ودفع ثمن هذه الهزيمة بخسارته للانتخابات عام 2001 لمنافسه اريئيل شارون الذي كان وزير الدفاع وصاحب قرار اجتياح لبنان عام 1982، وجاء من بعده عام 2005 ايهود أولميرت رئيساً للحكومة فقرر شن حرب واسعة من الجو والبحر والبر على جنوب لبنان لشق الطريق أمام تشكيل شرق أوسط كبير أعلنت عنه وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس أثناء الاجتياح الثاني لجنوب لبنان في تموز 2006 حين وصلت إلى بيروت في أوج المعارك على أرض الجنوب في ذلك الوقت، ومني أولميرت بهزيمة ثانية على أرض لبنان بأيدي المقاومة اللبنانية لحزب الله.
وحين استذكرت قيادة الجيش الإسرائيلي مقتل 73 من قوات الكوماندوس قبل أسبوعين تطرق بعض المحللين للذعر الذي استمر في صفوف الجيش الإسرائيلي منذ ذلك الوقت حتى هذه اللحظة فقد كتبت اولي غولد كلينغ في صحيفة «ماكورريشون» تحت عنوان «كارثة المروحيتين لا تزال تقيد أيدي الجيش» أن الجنود ما زالوا يخشون من أن يسقطوا في أي حرب برية على جبهة الشمال وعلى جبهة قطاع غزة جنوب فلسطين وأشارت إلى أن قيادة الجيش الإسرائيلي لا تزال عاجزة بعد مرور 14 عاماً على حرب تموز 2006 التي تطلق عليها إسرائيل رسمياً «حرب لبنان الثانية» عن إيقاف تزايد قدرات المقاومة اللبنانية بقيادة حزب الله وهذا يعني أنها عاجزة أيضاً عن تدمير وإنهاء هذه القدرات.
وتضيف غولد كلينغ أن قطاع غزة تحاصره إسرائيل من كل اتجاه منذ عام 2006 وشنت ضد فصائل المقاومة المنتشرة فيه أربع حروب بعضها كانت حرباً برية عام 2008 و2014 ولم تستطع تدمير قدراته ولا تدمير إرادة الفلسطينيين فيه على الاستمرار بالمقاومة برغم كل ضغوط الحصار عليهم.
وتعترف غولد كلينغ أن «الإسرائيليين ما زالوا منذ عام 1997 وما جرى بعده حتى الآن يتملكهم الخوف من وقوع الخسائر البشرية في صفوف الجنود والمستوطنين وبدلاً من إيجاد الطرق للتخلص من هذا الخوف ندفن رأسنا تحت أغطية النوم بانتظار معجزة تنهي هذا المسلسل».
وتتساءل غولد كلينغ: وحين استذكر رئيس الأركان آفي كوخافي مقتل الجنود بالمروحيتين لم يقدم حلاً حين قال: «لا نعدكم بصفر من الأخطاء لكننا نعدكم بالقيام بجهد دائم بالاستطلاع والتحسين فنظام الجيش الممتاز لا يخلو من الأخطاء لكنه جدير بالتعلم». ولكي يخفف «كوخافي» من الانخفاض الحاد بمعنويات الجيش عرض قبل أيام خطة عسكرية لخمس سنوات وأطلق عليها «خطة ذروة القوة» ربما للتغطية على ذروة الشعور بالضعف!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن