من دفتر الوطن

أحلام.. ولا في الأحلام!

| عصام داري

يحق لنا أن نحلم، وأن تتجاوز أحلامنا كل العقبات، وتصل إلى مستوى الخيال، منذ الطفولة رسم كل واحد فينا صورة لمستقبله، لما يريده، يبدأ الحلم بقطعة حلوى ولا ينتهي بامتلاك بيت وسيارة، بل طائرة خاصة، بماذا يتميز عنا لاعبو الرياضات المختلفة: كريستيانو رونالدو، مايكل جوردان، زين الدين زيدان، والقائمة تطول.
حلمي أن أصبح رئيس حكومة – على سبيل المثال – ولا أظن أن السيد عماد خميس يعارض في منحي مكتبه ويبارك لي بوظيفتي الجديدة، لكن مشكلتي أنني لا أملك الإمكانات التي تؤهلني لأكون رئيس مجلس الوزراء، لذا سأعتذر بعد ثلاث دقائق من أدائي القسم، لكن السؤال:هل يعتذر مسؤول ما عندنا، وزير أو مدير أو نائب إذا شعر أنه غير مؤهل لهذا المنصب؟
في 22 شباط 1958وقع الرئيس السوري شكري القوتلي والرئيس المصري جمال عبد الناصر (ميثاق الجمهورية العربية المتحدة) فأصبح البلدان دولة واحدة هي دولة الوحدة، المهم في الموضوع أن الصحفي المصري الكبير محمد حسنين هيكل كتب بعد ذلك بسنوات فقال: إن الرئيس القوتلي قال لعبد الناصر: «أنت لا تعرف ماذا أخذت يا سيادة الرئيس؟ أنت أخذت شعباً يعتقد كل من فيه أنه سياسي، ويعتقد 50 في المئة من ناسه أنهم زعماء، ويعتقد 25 في المئة منهم أنهم أنبياء، حين يعتقد 10 في المئة على الأقل أنهم آلهة».
المهم في القصة وطرافتها أن السوريين يعتبرون أنفسهم مؤهلين لأي منصب مهما علا شأنه، فلو قلت لشخص ما: نبحث عن وزير صحة مقتدر، فهل تعرف شخصاً يصلح للمنصب، فيجيبك على الفور: لا تبحث ولا تتعب حالك، الوزير موجود، وفوراً يرشح نفسه ويقول: أنا خلقت لأكون وزيراً للصحة مع أنه لم يكمل المرحلة الثانوية في الدراسة.
هذا جانب، والجانب الآخر، كنت منذ الطفولة أحلم بأن أصبح طياراً أجوب العالم، أو كاتباً مرموقاً كنجيب محفوظ أو حنا مينه أو تولستوي أو همنغواي، وبشكل خاص نجيب محفوظ الذي انتقل إلى العالمية من المحلية البحتة، من حواري وأزقة القاهرة إلى جائزة نوبل للآداب.
لكنني اصطدمت بالواقع ولم أصل إلى أي من أحلامي تلك، فوجدت أن الحق كل الحق في بيت الشعر الأشهر في أدبنا العربي القائل:
ما كلُ ما يتمناه المَرْءُ يُدْرِكُهُ … تجرِي الرّياحُ بمَا لا تَشتَهي السّفُنُ
إلا أن هذه النتيجة المخيبة لم تصبني بالإحباط، وخاصة بعد مشاهدتي منذ أيام فيلماً بطولة العملاقين جاك نيكلسون ومورغان فريمان، يتحدث عن ملياردير وميكانيكي اجتمعا في غرفة واحدة في مستشفى بسبب إصابتهما بالسرطان ولم يتبق لهما في هذه الحياة سوى بضعة أشهر، ويكتبان قائمة من أمنيات راودتهما طوال حياتهما ولم تتحقق، فيأخذ الملياردير على نفسه مسؤولية تحقيق تلك الأمنيات.
أجمل ما في هذا الفيلم رؤية الكاتب والمخرج الفلسفية التي تتلخص بسؤالين:
الأول: هل كنت سعيداً في حياتك؟ والثاني: هل أسعدت الناس المحيطين بك؟
أعفي نفسي من الإجابة عن السؤال الأول، لكنني أطلب ممن وصل في قراءة هذه الزاوية أن يطرح السؤالين على نفسه، ومن ثم يجيب.
أخيراً: اصنعوا السعادة لكم وللآخرين، فالحياة لحظة تنتهي بغمضة عين.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن