ثقافة وفن

الفكر.. مسؤولية

| د. اسكندر لوقــا

عندما يكون الفكر شاهداً على عصره يكتسب عنصراً مهماً من عناصر ديمومته. إن صفحة من التاريخ لا تطوى من دون أن نطوي معها جزءاً من وجود كان قائماً لحساب وجود آخر أكثر جدّة أو حداثة. بهذا المعنى يبدو الفكر الملتصق باللحظة الراهنة التصاقاً هامشياً بلا هوية وبالتالي يغيب مع غياب اللحظة كما تذوب قطرة الماء على الرمل من دون أن تترك وراءها أثرا.
الفكر عندما يكون شاهداً حقيقياً على عصره ويرغب في أن يكون كذلك فإنه يعيش العصر وتطلعاته في وقت معاً. إنه يصور اللحظة وآفاقها، يصور الحاضر والمستقبل، ويقارب بذلك الآمال الكامنة في نفوس أبناء الجيل ويفتح أمامهم الدرب.
تنقلنا هذه النقطة إلى مصداقية الأدب والفن والعلم والتآخي مع الحياة إن صح التعبير، وتنقلنا بشكل أو بآخر إلى جزئيات العلاقة بين الفكر والحياة في سياق توظيف الفكر لخدمة البشرية، ومن هنا تكون له مكانته في رفد مسيرة المجتمع نحو الأكثر حداثة وارتقاء في زمن اللحظة وما بعدها.
ومن الطبيعي القول إن أمراً كهذا، لا يتأتى فقط عبر الذين يبدعون فقط في حقول المعرفة، لأن الكل هو كيان تؤلفه الجزئيات، ولا يمكن أن تكتمل الصورة إلا بالخطوط والألوان، كما لا يكتمل اللحن إلا بالنغمات، وكذلك البناء لا يكتمل إلا بقطع الحجارة. ثم إن الإخلاص للحظة العطاء هو من المنعطفات التي ترسم مسيرة التاريخ وصفحة من صفحاته، ومهما كان العمل في حقل المعرفة ضئيلا فإنه يشكل شاهدا على اللحظة التي تم فيها العمل، ويشكل بالتالي دليلاً على وجود بشري من نوع معين. وبهذا المعنى يحمل ابن اليوم من فئة المفكرين، مسؤولية أمام أبناء جيل الغد.
إن المرتكزات التي ينطلق منها الفكر ويستند إليها في الوقت ذاته تؤلف، في حقيقة الأمر، أساس التقييم الذي لا ينطبق على الواقع الراهن وحسب وإنما ينطبق على المستقبل أيضاً. ولهذا تنهض المسؤولية أمام الفكر بوصفه السبب والنتيجة وأكاد أقول البداية والنهاية، لتشكل مدخلاً ودليلاً أمام أبناء اليوم. وحين يخون الفكر رسالته ويتخلى عن رسالته، يكون قد خان نفسه وصار إنساناً بلا هوية مثله كمثل قطرة الماء التي تتبخر في الفضاء قبل أن تصل إلى الأرض.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن