قضايا وآراء

لا عودة إلى الوراء

| موفق محمد

«لا عودة إلى الوراء»، رسالة بالغة الدقة والشدة وجهتها روسيا للنظام التركي عبر مساندة الجيش العربي السوري وبقوة لإفشال هجوم نظام الرئيس التركي رجب أردوغان ومرتزقته من التنظيمات الإرهابية على بلدة الأتارب بريف إدلب الجنوبي الشرقي بالقرب من الطريق الدولي المعروف بـ«إم 4».
مما لاشك فيه أن الهجوم الذي تدخل فيه نظام أردوغان بشكل مباشر إلى جانب الإرهابيين، جاء لحفظ ماء وجهه بعدما رفع سقف جعجعته بشن هجوم ضد الجيش العربي السوري إثر اجتياحه الإرهابيين هناك، ومقتل عدد من جنود الاحتلال التركي، لكن الرد الحازم من الجيش وحليفه الروسي ومنع نظام أردوغان ومرتزقته من تغيير خريطة السيطرة، زاد من حرج «السلطان» ومرغ أنفه أكثر في التراب السوري.
قد يكون الهجوم، محاولة من أردوغان لتحسين موقفه خلال المفاوضات الجارية مع روسيا بشأن الوضع في ريفي إدلب وحلب الذي زاده النظام التركي لهيباً بإصراره على إبقاء الوضع على ما هو عليه، لكن كلام الرئيس بشار الأسد الأسبوع الماضي كان واضحاً للغاية بأن معركة تحريرِ ريفيِ حلب وإدلب مستمرةٌ بغض النظر عن بعض الفقاعات الصوتية الفارغة الآتية من الشمال، كما استمرارُ معركة تحرير كلِ التراب السوري وسحق الإرهاب وتحقيق الاستقرار.
أيضاً روسيا أرسلت رسالة بالغة الوضوح لأردوغان بأنه لا يمكن الحديث عن العودة إلى الوضع ما قبل سنة ونصف السنة في إدلب، وذلك على لسان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عند تشديده الأسبوع الماضي على أن الجيش العربي السوري يقوم بعملياته على الأرض السورية لاستعادة سيطرة الحكومة على أراضيها، وأن اتفاق «سوتشي» لم ينص مطلقاً على تجميد الوضع في إدلب، وترك للإرهابيين حرية التصرف هناك، ولم يقدم أي أحد وعودا بعدم المساس بهم.
وعلى الرغم من تصاعد حرب التحذيرات بين روسيا والنظام التركي، إلا أن موسكو أبقت الباب مفتوحاً لمواصلة الحوار بين الجانبين للتعامل مع الوضع في محافظة إدلب على ما أكدته مراراً بأن اتفاق «سوتشي» مؤقت وأن مصير تلك المناطق العودة إلى سيطرة الدولة السورية، وبدا من اكتفاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بمحادثة هاتفية فقط مع أردوغان جاء الخبر حولها في وسائل الإعلام الروسية مقتضباً جداً، بعد ترويج أنقرة لعقد قمة ثنائية بين الجانبين، أن موسكو أكثر إصراراً على تنفيذ الاتفاق على طريق عودة تلك المناطق إلى سيطرة الدولة السورية.
كما أن تلقي موسكو بفتور لإمكانية عقد قمة رباعية روسية تركية فرنسية ألمانية في إسطنبول بداية آذار المقبل، للبحث في ملف إدلب، يشير أيضاً إلى إدراكها تماماً أن ما يتم الإعلان عنه أوروبياً عن دعم للنظام فيما يتعلق بما يجري في إدلب لا يخرج عن البالونات الإعلامية، على اعتبار أن الدول الأوروبية باتت خارج اللعبة في سورية لأن من يمتلك الأوراق الفعلية هي القوات المقاتلة على الأرض، في وقت بدا فيه أردوغان كالطير المذبوح وهو يستجدي الولايات المتحدة لنشر بطاريات صواريخ «باتريوت» على حدود بلاده الجنوبية، علماً أن الموقف الأميركي حتى الآن لم يخرج أيضاً عن الدعم الإعلامي ليس إلا.
خلاصة القول: قد تفسح دمشق وموسكو وبقية الحلفاء في المجال لمواصلة الحوار حقناً للدماء، ولكن في الوقت ذاته هناك قرار متخذ منذ زمن بعيد بتحرير كل الأراضي السورية من الإرهابيين والمحتلين وإعادتها إلى سيطرة الدولة السورية، ولا يمكن إطلاقاً التراجع عنه، والتقدم الذي يحرزه الجيش العربي السوري كل ساعة خير دليل على ما سبق.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن