الأولى

المجتمع اللادولي

| نبيه البرجي

ذاك الكائن الخرافي الذي يدعى… المجتمع الدولي!
ذروة الهرطقة السياسية، والهرطقة الفلسفية، والهرطقة الأخلاقية، هذه الظاهرة الهجينة التي تنحصر في نصف الكرة الغربي، بل وفي أميركا تحديداً، بل وفي شخص واحد، بكل مواصفات المهرج، وبكل مواصفات مصاصي الدماء: دونالد ترامب.
الآخرون ظلال زجاجية، ظلال من ورق، ظلال من تنك، للإله الأكبر، رائع بيرني ساندرز حين وصفه بآخر آلهة الإغريق، وهو يتقيأ الخراب أينما حط رحاله.
الذين انتهكوا ثروات الأمم، وأزمنة الأمم، وعظام الأمم، الآن، وعلى مدى قرون، هم الذين يقدمون أنفسهم، عبر تلك المنظمات المبرمجة استخباراتياً، على أنهم… المجتمع الدولي.
هكذا حقوق الإنسان في نظرهم. الحق في الزنزانة، الحق في التسول، الحق في السير، بأقدام عارية، على أرصفة التاريخ.
هؤلاء الذين تواطؤوا مع رجب طيب أردوغان، وبعثوا بشذاذ الآفاق، إلى سورية، على أن تفكيكها المدخل إلى وضع المنطقة بين براثن الحاخامات، أولئك العرب الذين يرقصون عراة في فناء الهيكل، لم تتدحرج كوفياتهم فقط، رؤوسهم تدحرجت بين أقدام بنيامين نتنياهو.
ماذا لم يفعلوه من أجل تدمير الدولة في سورية؟ كان أفيغدور ليبرمان يباهي بأن إسرائيل لم تعد بحاجة إلى قنبلة هيروشيما لـ«تحطيم ذئاب الشمال»، هالهم أن الدولة بقيت، وأن المؤسسة العسكرية باتت أكثر ديناميكية، وأكثر فاعلية، بعد كل تلك الحروب الهائلة على مئات الجبهات.
أولئك الضباط، والجنود، بالقامات الشاهقة، الذين إذ أثاروا الهلع لدى نجوم «المجتمع الدولي»، داسوا بأحذيتهم قبعة السلطان.
من لا يعلم تفاصيل الحديث الدافئ بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب والرئيس التركي رجب طيب أردوغان؟ الاثنان تبادلا القهقهات حين قال الرئيس التركي إنه ما إن يرفع صوته حتى تتقهقر القيادة السورية، وتتوقف عن استعادة الأرض، ماذا قال المعلقون المقربون من الاستبلشمانت حين تحولت أول دبابة تركية إلى حطام؟ الصدمة على الوجوه الصفراء.
الإسرائيليون استغربوا ما حدث، هم الذين كان وما زال الجيش السوري هاجسهم التاريخي، الآن يتحدثون عن المعنويات الهائلة، وعن الخبرات العملانية الهائلة التي اختزنها هذا الجيش، يعترفون بأنه ما من جيش في الدنيا واجه كل تلك الأنواع من المقاتلين، وكل تلك الحالات من القتال.
ماذا عن الأنفاق التي شارك في إقامتها، تقنياً وميدانياً، كبار المهندسين العسكريين من دول مختلفة بما في ذلك إسرائيل لتكون المصيدة الأسطورية للدبابات السورية؟
في تركيا بالذات، وإلى الكلام عن الرجل الذي حطم المؤسسة العسكرية التركية مرتين، كلام ليس فقط حول إنقاذ ماء وجه أردوغان، بل حول إنقاذه شخصياً، وهو الذي عرض إمكاناته، كقوة عظمى، على دونالد ترامب من أجل شق الطريق أمام «صفقة القرن» مقابل الكوندومينيوم التركي الإسرائيلي في المنطقة.
أي مجتمع دولي ذاك حين يثني، ويدعم، احتلال دولة لأراضي دولة أخرى، وحين يلوذ بالصمت لدى تحويل سكان إدلب إلى رهائن في قبضة المغول الجدد؟ غريب ذلك «المجتمع» الذي يعلو صوته دفاعاً عن الذين وضعوا الناس في أقفاص على السطوح، والذين كانوا يتبادلون الكؤوس لدى تقطيع أوصال الضحايا على أنه الطقس المقدس لثورة الأبالسة.
كل أصحاب الأدمغة النظيفة، والضمائر النظيفة، يرون في مصطلح «المجتمع الدولي» ملهاة القرن، ناعوم تشومسكي وصفه بـ«المجتمع اللادولي».
متى لم يكن لوردات المجتمع إياه عرابي قطاع الطرق، وعرابي القتلة، وعرابي القراصنة؟ لا منطق في زمننا إلا منطق القوة، انظروا إلى دباباتنا كيف تسابق الريح!!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن