من دفتر الوطن

صفاقة شنيعة

| حسن م. يوسف

بفضل القراءة والمتابعة اكتشفت باكراً أكذوبة الغرب المراوغ الذي حاول منذ ما يدعى عصر نهضته، أن يوهمنا بأنه لا سبيل لإنقاذ البشرية إلا باتباع مساره الحضاري. صحيح أن الغرب لم يكف لحظة واحدة عن الترويج لمجتمعاته بوصفها «قلاعاً للديمقراطية والقانون الدولي وحقوق الإنسان»، وصحيح أن السياسيين في الغرب يتمسكون بهذا القناع الأخلاقي كي يفرضوا من خلاله وصايتهم على البلدان الأخرى، ولكن عندما تتضرر مصالح دولهم جدياً، يتناسون هذه القيم ويضعون المبادئ في خدمة المصالح. وهكذا وضعت بريطانيا التي تدعي أنها (عظمى) كل رصيدها (الأخلاقي) في خدمة جرائم الصهيونية ونظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، وشاركتها أميركا في الشناعة والصفاقة من خلال دعم الفاشي بينوشيت الذي حكم تشيلي بالحديد والنار. وهي تواصل انحطاطها الأخلاقي من خلال دعم الاحتلال الصهيوني والحرب الإجرامية على اليمن، ومحاولة تمرير فضيحة القرن.
لكل ما سبق لم أفاجأ عندما علمت أن فرنسا اللعوب قد أعلنت تضامنها مع الاحتلال التركي لمحافظة إدلب السورية! لكنني دهشت حقاً عندما قرأت أن أميركا قد وصفت تصدي جيشنا العربي السوري للغزو التركي بأنه «شنيع»! وقد تحولت دهشتي إلى ذهول عندما قرأت أن بريطانيا وألمانيا قد وصفتا ما فعله جيشنا البطل بالغزاة الأتراك بأنه «وحشي»!
أي عار أن تصدر مثل هذه المواقف المنحطة والعبارات المنافقة السافلة عن أشخاص لهم صلة ما بـأراغون وبودلير، وشكسبير ودانييل ديفو، وغوته وشيلر وبتهوفن؟!
لقد نسيت أوروبا أنها أخذت اسمها من (عروبا) ابنة أجينور ملك صور، التي اختطفها زيوس كبير آلهة جبل الأولمب عندما كانت تتمشى مع صويحباتها على شاطئ البحر السوري الذي يسمى حالياً بالأبيض المتوسط. غير أن أوروبا لم تنس أصل اسمها فحسب، بل نسيت تاريخها أيضاً، فهي التي منحت للبشرية حربين عالميتين، وملايين الجثث التي لاقبور لها! مع ذلك يصف بعض سياسييها دفاع جيشنا الوطني عن أرض بلاده بأنه «وحشي»!
لذا سأكرس بقية هذا المقال لتذكير السياسيين الغربيين بشيء من تاريخ ما يدعى بالدولة العثمانية التي يتغنى الرئيس التركي أردوغان بأمجادها الحضارية ويسعى لإحيائها، علَّهم يفهمون معنى الوحشية الحقيقية! وقد استقيت هذه المعلومات من مقال للصحفي التركي حسني محلي.
دشن عثمان الأكبر الدولة التي تحمل اسمه، بخنق عمّه دوندار بيديه حتى الموت. وقام بعده مراد الأول بقتل شقيقه خليل حتى يصبح هو السلطان، ثم قتل شقيقه الآخر مصطفى وكوى عيون جميع إخوته.
الشاب محمّد الذي لقب بالفاتح، استصدر فتوى «بحقّانية قتل مَن يشاء من أجل بقاء الدولة واستمراريتها»، وبناء على تلك الفتوى قتل شقيقه الصغير وعُمره عدّة أشهر. أما السلطان بيازيد الثاني فلم يكن لديه وقت للتقسيط، لذا قتل إخوته العشرة دفعة واحدة، وأمَرَ بخنق الأولاد الأربعة لشقيقه جام الذي هرب إلى روما، وأرسل خلفه من قام بتسميمه هناك.
أما السلطان سليم الذي فرض نفسه كأول سلطان عثماني على المسلمين بعد معركة مرج دابق عام 1516 فقد كان الأمهر في القتل فقد قتل كل إخوته وأخواته، ولكي يريح رأسه أمر بقتل أولاد عمّه الخمسة. وفور اعتلائه للعرش أمر بقتل ابنه مصطفى، ولما هرب ابنه الثاني بيازيد إلى إيران، أرسل رجاله خلفه فقتلوه هناك على حين قام هو بقتل أولاد بيازيد الأربعة.
أما مراد الثالث فقتل إخوته الخمسة ليحلّ محلّه نجله الشهير أحمد الثالث الذي قتل في اليوم الذي دفن فيه والده جميع أشقائه البالغ عددهم تسعة عشر شخصاً، ولم يكفه ذلك بل أمر بعد أيام بخنق ولده أثناء نومه.
غير أن بعض بني عثمان لم يتقيدوا بتقاليد القتل دون دماء، فقد قام مصطفى الرابع بتقطيع شقيقه سليم الثالث إرباً إرباً. وقتل محمود الثاني شقيقه مراد الرابع بالسم قبل أن يقتل زوجته وجميع أولاده، لتكون والدته آخر ضحاياه.
ربما كان من واجب أردوغان أن يتغنى بأمجاد أجداده القتلة، أما أن يحاول الأوروبيون وحلفاؤهم الأتراك إلصاق صفاتهم الإجرامية بجيشنا المدافع عن أرضه وشعبه، فتلك صفاقة شنيعة لامثيل لها في التاريخ!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن