ثقافة وفن

لم أتعرّف على شريط الكاسيت قبل مغادرتي إلى باريس … هيام حموي لـ«الوطن»: اكتشفته للمرة الأولى من خلال هدية عيد ميلادي وحملت صوت أمي وأبي

| سوسن صيداوي

يعود بنا الحنين دائماً ويطرق أبواب عقولنا وقلوبنا ويأتينا بالأفكار وبالمشاعر، وحتى إنه يسحبنا للتفكير في أمور كنا نستعملها سابقا مع الاستغراب -اليوم- كيف كان استخدامها من عاداتنا اليومية الأساسية، ولتبقى اليوم هذه الأشياء محفوظة لمتعة الذكرى مع لذة شوق الحنين والتي في استرجاعها تُبعث في النفس مشاعر الراحة والسرور والهناء. ولنكن واضحين أكثر: يقال إن الحنين سيعيد زمن الكاسيت؟! ومع ما يثير استخدامه من مشكلات لف البكر والتحميل والتقليب في الأشرطة!
واليوم حول إمكانية تجدّد روح أشرطة الكاسيت نقدم لكم حوار الـ«الوطن» مع الإعلامية هيام حموي التي قصّت لنا تحت عنوان: (حكايتي مع «الكاسيت») كيف كانت حياتها وحتى مهنتها كمذيعة راديو بظل وجود شريط الكاسيت… للمزيد تابعونا.

في حكايتك مع شريط الكاسيت… من أين نبدأ؟
حسب المعلومات المتداولة عن اختراع شريط الكاسيت، اكتشفت أن هذا الابتكار المدهش سبق دخولي المهنة الإذاعية بسنوات قليلة فقط، حيث يفترض أن العلبة المستطيلة الحافظة للصوت والنغم ظهرت للنور وعُرِضَت على الملأ من قِبل شركة فيليبس الهولندية بين عاميْ 1962 و1963، غير أني عندما بدأت مشواري الإذاعي في القسم الفرنسي من إذاعة دمشق، عام 1968، كانت الأجهزة المعمول بها تعتمد على الأسطوانات وأشرطة «البَكَر» الكبيرة. وكان الأمر مماثلا، فيما بعد، بالنسبة للإذاعة الفرنسية في قسمها العربي، الذي شكل النواة الأولى لإذاعة مونت كارلو التي افتُتحت رسمياً في العام 1972، بعد أن ظلت تبث تجريبياً على مدى سنة ونصف السنة تقريباً.
ولكن في هذه الفترة ألم يكن بحوزتك مسجّلة كاسيت أو أي شريط؟
لم أتعرّف على شريط الكاسيت قبل مغادرتي سورية إلى باريس، في أواخر العام 1969، لكن اكتشفته للمرة الأولى فيما بعد من خلال هدية أرسلها لي والدي إلى باريس بمناسبة عيد ميلادي، وهي عبارة عن جهاز تسجيل كاسيت وبداخله الشريط الأغلى عندي وكان يحمل في علبته المستطيلة صوت أمي وأبي يتمنيان لي النجاح في دراستي العليا مع إهداء مجموعة أغنيات لفيروز منها «نسم علينا الهوا من مفرق الوادي.. يا هوا دخل الهوى… خدني على بلادي»! وقد ظللت أستعيدها مرة بعد مرة، عشرات المرات حتى تعطل الشريط.. فبكيت… ثم اهتديت للطريقة التي اهتدى إليها قبلي ومن بعدي كل الذين تعرّضوا للمشكلة ذاتها، أي نستخدم القلم داخل ثقب العلبة المستطيلة في تحريك الشريط.. ذهاباً وإياباً، إلى أن يعود إلى وضعه الطبيعي.

كيف دخل الكاسيت حياتك المهنية وشارك الهواء المباشر في الإذاعة؟
في إذاعة مونت كارلو، بقينا فترة طويلة نستخدم الأسطوانات الكبيرة (33 و45 دورة) لبث الأغاني ونلجأ للأشرطة المستديرة الكبيرة لتسجيل الريبورتاجات الخارجية، وكان جهاز التسجيل المحمول «الناغرا» يزن قرابة عشرة كيلوغرامات، وكنا باستمرار مضطرين لاصطحاب مهندس صوت قوي البنية مفتول العضلات في مختلف المهمّات الخارجية التي كنا نوفد إليها من أجل تغطية الأحداث.

لم يكن بالأمر الهين الحصول على نسخة جيدة من الكاسيت وعلى الخصوص أثناء إقامتك بفرنسا، فيما يتعلق بالنسخ العربية، حدثينا كيف كان يتم الحصول عليها.. وهل كان الأمر معقداً؟
شيئا فشيئاً، أصبحت الهدية الأثمن من كل قريب أو صديق قادم من أرض الوطن أن يحمل إلينا ما يتيسر من كاسيتات تتضمن أحدث التسجيلات، من جديد الأغاني وحتى من قديمها المستعاد على «الوسيط الجديد» لمتعة الاستماع… وفيما بعد لسهولة التسجيل.

ولكن التعامل مع الأسطونات الكبيرة معقد كما هو الحال مع شريط الكاسيت؟
حرصا منها على جودة البث وراحة المستمعين، ارتأت الإدارة البرامجية والتقنية في مونت كارلو حينذاك عدم السماح ببث الأغاني والمواد المتوفرة على الكاسيتات مباشرة على الهواء إلا بعد نقلها على الأشرطة الكبيرة، تحسبا من حدوث أي خلل أو مشكلة في الأجهزة الجديدة.
المشكلة الأساس في العمل بالكاسيت بالنسبة للمقابلات والريبوتاجات، كانت تكمن في صعوبة المونتاج أي التعديل بالقص مباشرة، إذ يجب النقل على الشريط الكبير للتحكم بالمادة، أو كما يحدث اليوم، النقل على برامج المونتاج الالكترونية.
وظل الوضع على حاله حتى حلّ عصر «السي دي» (أو الاسطوانات المدمجة) في مطلع التسعينيات.

ولكن معروف عن هيام حموي أنها عاشقة للكاسيت ومازالت تحتفظ به بمكتبتها إلى يومنا هذا، ما تعقيبك؟
عشقت التعامل مع الكاسيت في فترة ازدهاره، فاقتنيت أكثر من جهاز تسجيل كاسيت، ليكون دائماً في حقيبة يدي مع الميكروفون مصحوباً ببطاريات وكاسيت احتياط، لألتقط كل ما يمكن من فرص لتسجيل مقابلات مع المشاهير والأناس العاديين.. وأود أن أشير إلى أن التطور السريع الذي كان يطرأ على أجهزة تسجيل الكاسيت كان يشجع على الانتقال إلى الطراز الأحدث لكونه دوما أخف وزنا، وأكثر دقة… وهكذا وجدتني، يوم غادرت إذاعة مونت كارلو في مطلع عام 1992، وقد تكدست في زاوية من بيتي الباريسي الصغير عشرات الصناديق الكرتونية المملوءة بالكاسيتات… برامج جاهزة ومقابلات «خام» قبل المونتاج والمعالجة.. عدا كاسيتات الأغاني من الأنواع كافة.

برأيك هل ساهم الكاسيت في إطلاق النجوم؟
بالطبع وما أكثر المغنين الذين ساهم شريط الكاسيت بشهرتهم.. عمرو دياب وإيهاب توفيق، علي حميدة وأغنيته «لولاكي.. لولا لولا»، يُقال إنه باع منها الملايين، وقبله محمد منير بأغنية «الليلة يا سمرا»، وعلي الحجار، وكثر آخرون، من سورية فؤاد غازي «لازرعلك بستان ورود» ومصطفى يوزباشي «لما بسمع صوتك»، وكثر آخرون، وطبعاً ميادة الحناوي مع أن أغانيها طُبعت قبل ذلك على أسطوانات كبيرة بأعلى جودة.

لنقف قليلاً ونتحدث حول أرشيفك الكبير من أشرطة الكاسيت والتسجيلات المحفوظة.. حدثينا عن مكتبتك هذه؟
وجود هذا الأرشيف بحوزتي، عند انتقالي إلى إذاعة الشرق جعلني أفكر ببرنامج يستفيد من مفرداته فكان برنامج «ليل وأوضة منسية» بعنوانه المستوحي من التراث الفيروزي. فيما بعد، عند انتقالي إلى إذاعة شام إف إم في دمشق عام 2007، أعدت استخدام هذا الأرشيف الذي اغتنى بمئات الكاسيتات الأخرى من خلال اللقاءات التي أسعدني الحظ بإجرائها طوال عملي في إذاعة الشرق… حينها ولدت فكرة البرنامج الآخر «يحيا الراديو» الذي سمح باستعادة أصوات كبار أدبائنا وفنانينا السوريين والعرب. ولا يزال الكثير من الكنوز التي لم تستخرج بعد من الصناديق «السحرية « الكرتونية المملوءة بالكاسيتات والقابعة في زاوية من زوايا بيت باريسي صغير تنتظر من ينفض عنها الغبار.
هنالك برنامج آخر استطعت عبره الكشف عن بعض كنوز تسجيلاتي على الكاسيتات وهو برنامج «نثرات من دهب الزمان» مع الصديق الغالي عثمان حناوي، صاحب الأرشيف الهائل الذي جمعه أيضاً على مر السنين من خلال علاقاته مع كبار الفنانين العرب. كنت وما زلت أقترح عليه بعض تسجيلاتي ويحلو لنا أحياناً التباري بيننا، فأقترح عليه إدراج بعض مقتنياتي من لقاءات نادرة مع فنانين صادفتهم في مسيرتي وكان الميكروفون الموصول بجهاز الكاسيت يومها جاهزا في حقيبة يدي الثقيلة.
منذ أيام، شعرت بغصة كبيرة في روحي، إذ أخبرني الصديق عثمان أنه بصدد إغلاق متجره في دمشق «صوت آسيا» الذي كان مقصدا لكل من يبحث عن نوادر الأغاني والتسجيلات، بعد أن طغت التقنيات الجديدة من «موبايلات» على كل ما عداها من وسائط.

أخيراً، هناك دراسة تقول إن أشرطة الكاسيت تعود للحياة من جديد.. ما تعقيبك؟
يقولون إن الحنين سيعيد زمن الكاسيت؟ ممكن.. لكن الجيل الجديد تعوّد الاستسهال، ولا أظن أنه سيحب كثيراً.. إلا إذا كانت هنالك حملة دعائية ذكية جداً مصحوبة بنجم شهير يحث على استعادة «أمجاد الكاسيت»، فتلتحق به جموع من «الأتباع»… وما عدا هذا، أظن أنه عند انقراض آخر «ديناصور» من الجيل الذي عرف زمن الكاسيت، ستدخل علبة الكاسيت إلى المتحف إلى جانب الغراموفون المتصل بالبوق الكبير والأسطوانة السوداء 33 لفة والتلفون الأسود بالقرص، وما شابه من مفردات زمن السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات، وعلى جدران المكان تطالع الزائر صور أم كلثوم وعبد الوهاب وحليم وفريد وأسمهان وفيروز وحتى ميادة، ويسأل رواد المكان دليل المتحف: من هؤلاء؟ فيجيبهم: لحظة ريثما أراجع معلوماتي في «الكتيّب» على شاشة الآي باد.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن