ثقافة وفن

الثور وذنبه

| إسماعيل مروة

يسأل الصغار ببراءة عن الثور وذنبه وعلاقته به، ويعجز المرء عن تقديم إجابة وافية شافية لهم، ويبقى يدور على نفسه، وهو يحاول تفسير المثل الشعبي «خناق الثور من ذنبه» فعلام هذا المثل؟ والى أي شيء يرمي؟ وما المغزى منه؟ وفي أي ظرف قيل؟ وهل هذا المثل لغاية ثورية أم لغاية إنسانية؟ وفي كل حال لا يصل المرء إلى جواب، إلا عندما يقرأ قصص الأمثال، سواء أكانت هذه القصة مقنعة أم غير مقنعة، إلا أنها تعطي فكرة مهمة عن المغزى، إذ تروي القصة أن الثيران عندما تصل إلى عمر معين والى مرحلة العجز، يتم اللجوء إلى التخلص منها، وبطرق عديدة منها أن يتم بيع لحمها، ومنها أن تحال إلى ساحة إعدام مثل الخيول عندما تهرم! ولكن أحد مالكي الثيران كان بخيلاً إلى حد البخل القاتل، وعندما أراد أن يتخلص من ثوره بخنقه استكثر على الثور أن يشتري حبلاً أو أن يضحي بحبل ليقوم بخنقه به، فعمد إلى وسيلة إبليسية وهي أنه قام بقطع ذنب الثور، وقام بخنقه به، والحكاية على غرابتها وطرافتها وعدم صدقيتها إلا أنها تظهر المغزى، فحتى أداة الخنق والقتل للثور تمت بطريقة تخلو من الرحمة، وذنب الثور الوحيد أنه غير قادر على جلب حبل أو شراء أداة الخنقّ! حفظنا المثل الفصيح: «أكلت يوم أكل الثور الأبيض، وهذا المثل يتوجه إلى الثور أيضاً، ورددناه كثيراً ولم نعمل به، ولم نكترث للون الثور المأكول، وكل ما عنانا المزرعة التي جاء منها الثور والسلالة التي ينتمي إليها هذا الثور! وكل يوم نردد ولا نعمل ولا نكترث، وأهم ما في الأمر أن كل من يقول المثل يجد لنفسه البراءة ولا علاقة له بالتساهل بأكل أخيه الثور، فهو في زعمه أدى ما عليه، لكن يبدو أن الثور الأبيض تجاوز حده في أمر ما فناله العقاب، وأكله المعتدي! وإن كان المثل الذي نردده يمكن أن نجد له مسوغات لكسلنا، إلا أن المثل العامي أكثر تعبيراً، فبعد أن أكل الثور جاءت مرحلة خنقه، وعلى حسابه، وبجزء من جسده هو الذنب!
هل هذا ما فعله العالم القوي مع بلداننا؟ ألم يخرجوا لنا من تراثنا ما يسهم في قتلنا، وندّعي الانتصار على الآخر؟
ألم نقتل أنفسنا بقوميات ومذاهب وطوائف؟ ألم نفعل ذلك ومن تلقاء أنفسنا من دون أن يتكلف العالم القوي حتى ثمن الحبل؟ فبعد أن كان يستعين علينا بالأعداء صرنا أكثر حرصاً على فعل ما لم يجرؤ على فعله!
كل ما جرى على أرضنا من أيام الأمويين والعباسيين، ومن صراع سياسي عمل لبوساً طائفياً ودينياً تم بعمل منا نحن، وربما تدخل الآخر في إظهار أمر ما فقط من دون أن يكون موجوداً، فمن رايات خضر إلى سوداء وبيضاء ومتعددة الألوان.
واليوم ما يجري على أرضنا العربية كل ما يجري، يجري دون أن يكلف القوي نفسه شراء حبل لخنق الثور، والأكثر غرابة أن الثور الذي نحزن لأجله ونعدّه مسكيناً هو من يسابق بالإشارة إلى من يريد أن يخنقه إلى ذنبه، يدله عليه ليستل سكينه ويقطعه تجهيزاً لخنقه، وربما جاد الثور بقطعة من لحمه ليبيعها القوي لشراء سكين يقطع بها ذنبه!
عجيب ما يحدث، فكل ما لدى العرب والمسلمين تحول إلى قوة لقتلهم، ولا يُستثنى من ذلك من في الأرض من مسيحيين وطوائف معروفة وغير معروفة، ومن قوميات عديدة، لسنا بحاجة إلى تدخل أحد، فنحن لن يسبقنا أحد على الخصام فيما بيننا، ولن يسبقنا أحد إلى التطوع بما يلزم لقطع ذنب الثور!
هل وصلنا حقاً إلى مرحلة العجز المطلق كالثيران والخيول؟ والتي صارت تكاليف طعامها أكثر من فائدة وجودها في الحياة! هل صار التخلص منا ضرورة وعلى حسابنا، ومن كيسنا، ومن أموالنا وأرواحنا؟
أكل الثور الأبيض وبحّ النداء!
قطع ذنب الثور وما انتبهنا!
يتم خنقنا.. دون أن نحرك ساكناً!
يبدو أن إمبراطورية نعمل على إنشائها لتقتلنا وعلى حسابنا!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن