قضايا وآراء

إدلب.. رسم الأدوار الإقليمية

| مازن بلال

ذهبت موسكو بشكل مباشر عبر معركة إدلب نحو التصور الإقليمي القادم، فالمعركة التي تظهر وفق التصريحات الروسية بأنها نتيجة عدم تطبيق اتفاقية سوتشي؛ أظهرت خريطة دبلوماسية مختلفة وقدمت شكل علاقات مضطربة بين أنقرة ودول حلف الأطلسي، ففشلت الجهود التركية لتوسيع الخيارات، وبقيت حدود الحركة ضمن إطار العودة إلى التباحث من جديد مع الكرملين.
عملياً فإن ضرب القوات التركية شكل اختباراً جدياً للتوجهات الدولية تجاه شرقي المتوسط، فالاهتمام الأوروبي انحصر عملياً بالبحث عن مخرج دبلوماسي منعاً لانفجار أزمة اللاجئين السوريين في تركيا، في حين لم يستطع الناتو تقديم موقف متماسك بعد اعتراضات اليونان، وبقيت الولايات المتحدة ضمن حدود الذهاب إلى الهيئات الدولية ومنها مجلس الأمن لمناقشة ما يجري، وبدت تركيا عاجزة عن اكتساب أرضية قوية للدخول في معركة لاسترجاع قوتها ضمن الأزمة السورية.
الجهود الدبلوماسية وبعد كل المحاولات التركية انتقلت إلى مساحة مختلفة، فالمسألة لم تعد مرتبطة بمواقف أنقرة من مسألة إدلب، إنما بالحالة السياسية اللاحقة وتأثيراتها في إمكانية العودة إلى القرارات الدولية الخاصة بسورية، فمحاصرة أنقرة ضمن خيارات محدودة سيترتب عنها أمران وذلك بغض النظر عن النتائج العسكرية المتوقعة نتيجة المعارك الحالية:
– بالدرجة الأولى بقيت التفاهمات الروسية التركية قاعدة أساسية يمكن العمل عليها، فرغم عدم رضا الولايات المتحدة عن مسار أستانا واتفاقية سوتشي، لكن الرئيس رجب طيب أردوغان لا يملك سوى الذهاب مجدداً نحو موسكو.
ضمن هذا الإطار فإن الاستيعاب السياسي لما حدث في إدلب لا يملك حظوظاً في أوروبا، فهو استحقاق روسي بامتياز لأن خطر الانقلاب التركي على موسكو ليس وارداً حتى اللحظة، واللغة التركية تجاه روسيا رغم التصعيد بقيت هادئة مقارنة مع حجم المعارك على الأرض، واحتفظت تركيا بكل الاتهامات لتصوبها نحو دمشق، من دون الذهاب لاتهام موسكو بما يحدث، فهي سعت لدفع الموقف الأوروبي نحو التصعيد مع روسيا وحاولت البقاء بعيداً من هذه الدائرة، في وقت لم تر أوروبا مصلحة واضحة في فتح معارك سياسية جديدة مع الكرملين، واستوعبت الغضب التركي باجتماع للناتو أظهر أن أنقرة ومشاكلها في سورية لم تعد أولوية لدى العواصم الغربية.
– الأمر الثاني يرتبط بنوعية التوازن بعد معارك إدلب، فهناك خلل بالميزان السياسي سينعكس بالضرورة على نوعية الحل السياسي للأزمة السورية عموماً، وهذا الموضوع يشكل نتيجة مباشرة للإخفاق السياسي في مسار اللجنة الدستورية، ولشكل التمثيل غير المتوازن الذي عكس محاولة تركية للتأثير في اختيار الوفد الموسع.
ما حدث في اللجنة الدستورية يوضح الشكل المضطرب الذي فرضته الأدوار الإقليمية على نقاشات السوريين بخصوص أزمتهم، فهناك تمثيل يحكمه التوازن الإقليمي، والمعارك التي اندلعت في إدلب ستؤدي إلى تغيير واضح في هذا المسار، وسيزداد غياب بعض الأطراف المعارضة السورية التي صعدت في مراحل السابقة، وسينعكس هذا الموضوع على «الائتلاف السوري» الذي يمثل صورة التوازن الإقليمي.
تنحت معظم الأطراف الإقليمية داخل الأزمة السورية لمصلحة الدور التركي، وتوضح المعارك الأخيرة في إدلب أن المعادلة القادمة ستشهد ضعفاً حتى في الدور التركي الذي لا يملك خيارات قوية، فهو سيدور في فلك آخر تحكمه الحركة الروسية في المنطقة، وقدرتها على التفاهم مع الأطراف الدولية بخصوص سورية، فالمنطقة تبدو أمام تهيئة لخطوة سياسية قادمة تصبح فيها تركيا جزءاً من الحل، لكنها غير قادرة على التحكم به ومقارعة الأطراف الدولية الأخرى.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن