من دفتر الوطن

حين يكتسي الشبح شحماً

| زياد حيدر

«اطلبوا العلم ولو في الصين».
فالصين بالنسبة لمعظم شعوب العالم كانت هي أبعد نقطة مأهولة يمكن أن يطأها رحال.
ورغم أن شغف الرحالة بما وراء الآفاق قادهم لتعريفنا على عوالم أكثر عزلة، لكن القارة الصفراء كما لُقبت ظلت رمزاً من رموز البعد والغرابة، وذلك لأسباب ثقافية تضاف للجغرافية، فشعبها ذو ثقافة مختلفة جذرياً عن ثقافات الشرق الأدنى، وحضارتها بسماتها خاصة، تفضل العزلة السياسية والاجتماعية، من دون الإشارة إلى العوامل الأخرى التي كانت مؤثرة في الأزمنة السابقة وبينها الاختلاف في الملامح أيضاً.
لذا ربما أثرت هذه الخلفيات، في إحساس بعضنا بأن خطر انتشار فيروس «كورونا» ما زال بعيداً، وأن احتواء الصين لأوبئة سابقة كـ«سارس» يعني احتمال نهاية مشابهة لـ«كورونا».
لكن النظر إلى الصين بمعايير الماضي هو خطأ جسيم، فانخراط الصينيين في شؤون العالم بات غير محدود في العقود الأخيرة، واختراقهم التجاري لكل حاجاتنا الاستهلاكية في كل أنحاء الأرض لا يمكن الاستهانة به، بل إن حاجتنا للصين، كمساهم في الاقتصاد العالمي ومزود لحاجاتنا ولاسيما في دول العالم الثالث، هي حاجة الصين نفسها للتوسع وتشغيل مصانعها.
والطريف أن معظم الأقنعة الواقية التي تُستخدَم كنوع من الوقاية النفسية قبل العضوية من «كورونا»، وغيره من الأمراض مصنوعة في الصين، وبعضها في أول الأقاليم المصابة.
والآن بعد اختراق الفيروس عزلته الصينية، خرج للعالم عن طريق إيطاليا وإيران، ودول مختلفة في خريطة توزيع لم يعد هناك حاجة لتتبعها.
فالمرض الذي بدأ يجتاح العالم، بات واقعاً يفرض إغلاق المدارس وعزل المدن، وإلغاء الاحتفالات ومنع التجمعات، ورغم أن بلداناً ترفض فرض عزلة على المجمعات السكنية، أو إغلاق مراكز النشاطات العامة، إلا أن إجراءات الوقاية والعزل تلعب دوراً في الحد من الانتشار، لكنه بكل تأكيد لا تمنعه، وخصوصاً أنه يمتلك فترة حضانة لأسبوعين، ما يجعل التكهن بوجوده مستحيلًا.
ومع مرور الوقت وكثرة الإصابات، وامتداد الانتشار في العالم، بات المرض أخيراً بوجه حقيقي، فإعلان إيران عن وفاة لاعبة كرة قدم معروفة بالمرض، وسفير سابق بذات المسبب، وإصابة مسؤولين كبار يخرج المرض من عزلته الإعلامية، والتي صوبت أهدافها بشكل أساسي نحو الأرقام، أرقام الإصابات وأرقام الوفيات، مع إهمال شبه تام لأعداد الناجين والذين يشفون من المرض، علماً أن وسائل معالجته تتراوح بين معالجة أنفلونزا قوية ومشاكل التنفس المزمنة.
كما يتجنب الإعلام التركيز على حالات الوفيات، ومحاولة تفحصها، علماً أن الأطباء حتى اللحظة يتحدثون عن خطورته على ضعيفي المناعة والمسنين والمصابين بأمراض تنفسية عامة.
وحقيقة أن الناجين من المرض حتى اللحظة هم أكثر من المتوفين به، يبقى مهملاً، على مستوى النشر، بسبب العادة الترويجية في التركيز على الأكثر إثارة، كمثال «الرجل الذي عض الكلب، لا الكلب الذي عض الرجل» في الدروس الإعلامية.
ولكن رغم ما يعتبره أطباء كثر تهويلاً، وإخافة قبل ظهور اللقاح المضاد وبيعه بمليارات الدولارات، إلا أن حصول وفيات متعددة وسريعة، مع انعدام وجود علاج فعال وخاص يبقي ضرورة الحذر الشديد من إمكانية تحول المرض لوباء عالمي، أول ما سيفعله هو تجميد الحركة التجارية العالمية والذي سينعكس على الدول والمجتمعات بطرق قد تكون أقسى من أعراض رشح قاتل.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن