ثقافة وفن

الكاسيت انقرض وفقد قيمته السمعية والشرائية … عثمان حناوي لـ«الوطن»: أنا عاتب على الإعلام بأنواعه.. والمسؤولية لا تقع على الجيل الشاب

| سوسن صيداوي

هل القديم ممكن أن يعود إلى الحياة، أم سيبقى ماضياً مع الزمن العابر؟ تساؤل نطرحه بعد أن علمنا وبالصدفة حول دراسة ليست ببعيدة، تتابع آلية إحياء أشرطة الكاسيت والتعامل بها من جديد من قبل الجيل الشاب، فبريطانيا على رأس المؤيدين لهذه العودة، فالإحصائيات إلى الارتفاع، كما وتكشف بحوث التسويق أن المبيعات ارتفعت بنسبة 90%. وفي الولايات المتحدة سجلت المبيعات أيضاً زيادة كبيرة، رغم أسبقيتها في إعادة الكاسيت للحياة منذ عام2013، بسبب التكلفة المنخفضة للأشرطة، أو لسعي بعض النجوم خلف هوس التجديد حيث يصدرون ألبوماتهم بنظام الأشرطة، ورغم تواضع الأرقام الحالية بالمقارنة مع المبيعات في الثمانينيات، فإن الشركات الأجنبية متحمسة لاستخدام الكاسيت في الدعاية والمبيعات، في تنافسية مع هوس شرائح من الأجيال الشابة بماضٍ سمعت عنه ولكنها لم تعشه.
و للحديث حول هذه الظاهرة نقدم لكم حوارنا مع أهل الاختصاص، الباحث الموسيقي عثمان حناوي، ليخبرنا عن واقع أشرطة الكاسيت في سورية بين الماضي والحاضر.

بداية… إلى اليوم كم سنة أصبح عُمر محل أشرطة الكاسيت(صوت آسيا)؟
هذا المحل عمره ست وثلاثون سنة، انطلق مشروعي في التسجيلات الصوتية منذ عام1984حيث فكرت أنني من خلال ميادة حناوي كوني مديراً لأعمالها، بأن أؤسس مشروعي المرادف والذي يشبهني، لهذا قررت بأن أبقى في مجال الفن والموسيقا، وخصوصاً أن اهتماماتي منذ عمر الثامنة بأن أقتني النوادر من التراث الغنائي القديم، سواء أغاني العشرينيات والثلاثينيات لأم كلثوم، أم عبد الوهاب في بروفاته، فأبحث دائماً عن الكنوز المخبأة، فآخذ مصروفي لأجمع به الأسطوانات النادرة، وبالطبع الكل كان يستغرب اهتماماتي هذه، وخصوصاً أنني أذهب لمن كان يسمى (القشاش) وأطلب منه أسطوانات لعبد الوهاب أو مثلاً صالح عبد الحي، فكان يقول لي: (أنت تريد أن تستمع إليهم؟!). وأيضاً يمكنني أن أضيف بأن من أسباب اهتماماتي بالطربيات منذ طفولتي، أنني نشأت في بيئة شعبية، وعائلتي الكبيرة كانت تجتمع في منزلنا العربي مرة في الشهر ليستمعوا للأمسية الشهرية لحفل أم كلثوم، وكنا أنا وميادة وفاتن نسمع صوت(الست)عبر جدار غرفة نومنا، إذاً جو الاهتمام بالموسيقا والطرب أثر فيّ وأصبح هاجسي اقتناء النفائس القديمة لأهل الطرب، وهكذا تابعت.

بدأت باقتناء الأسطوانات الكبيرة ومن بعدها أشرطة الكاسيت؟
نعم كنت أقتني الأسطوانات الكبيرة (أسطوانات الزفت) ومن ثم أشرطة (الريل) وبعدها أشرطة الكاسيت ثم السيديه، طبعاً تطورت أموري وهنا أشكر ربي على هذه النعمة وأنا ممنون لأختي ميادة والتي من خلالها تعرّفت على العمالقة، ومنهم عبد الوهاب وجلست في منزله لمدة سنة كاملة، وكنت أُخفي المسجلة لأحصل على أغانٍ بصوته ومن بعدها تابعت هذا الموضوع، ثم في مرحلة تالية تعرفت على بليغ حمدي وكنت كظله طوال أربع سنوات، والتقيت بعدها بمحمد الموجي، فكنت حريصاً بأن أجلس وأتابع هؤلاء الكبار، حتى إنني استفدت كثيراً من معرفتي من الصحفي وجدي الحكيم الذي كان يقيم حفلات (أضواء المدينة)، ومن خلال صداقته لعبد الوهاب تطورت علاقتي به، وقدم لي كل تسجيلاته في مكتبته الصوتية العظيمة والتي تحتوي على نفائس نادرة حتى لأغانٍ وطنية وتراتيل، وأيضاً على قصة حياة أم كلثوم بصوتها وهو يحاورها، وهكذا بقيت أطور من مكتبتي السمعية وأحصل على النوادر وأسجل البروفات للعمالقة وأيضاً السهرات، إلى أن جاءت الإعلامية هيام حموي وبعد افتتاح إذاعة شام إف إم، قررنا أن نقدم معاً (نثرات من ذهب الزمان) وقتها سألتها: (هل سنجد متابعاً للأغاني الطربية القديمة؟)، فأجابت (لنجرّب)، ومن بعد تقديمنا لأولى الحلقات بدأت أتلقى الكثير من الاتصالات لشكرنا على هذه الفسحة من الزمن الجميل، وهنا أتوجه معاتباً إعلامنا الذي يعطي مساحة كبيرة للفن الهابط ويساهم في نشره في الصحف والتلفزيونات والإذاعات المحلية. المسؤولية اليوم لا تقع على الجيل الشاب، الأخير الذي أحمّله جزءاً من المسؤولية، كونه موجَّهاً، بل أنا عاتب على الإعلام المقروء والمسموع والمرئي، لأنهم هم من يوجّهون المتلقي، فبرنامج واحد لا يكفي، بل يجب أن يكون هناك فترات أو أماكن نشر في الصفحات المقروءة كي يتنبّه الجيل الشاب لإرثنا هذا، فهذا الواقع مؤلم.

من أجل توجيه الجيل الشاب قدر الإمكان… هل ببالك أي مشروع يحتوي إرثك السمعي غير برنامجك الإذاعي؟
في هذه الفترة أنا بصدد تأليف كتابي التوثيقي مع الفنانين، وسيكون مرفقاً بالصور، ولا أدري إلى هذه اللحظة كم من الصفحات التي سأصل إليها؟

ولكن جيلنا الشاب ليس بقارئ وهو متجه للتكنولوجيا والعصرنة، في حين إرثك سمعي وهذا الجيل يهوى السمع، فهل هناك من أفكار متماشية مع هذا الواقع؟
من خططي أيضاً بأن أقدم مكتبتي السمعية بطريقة يدخل أي راغب ليسمع شيئاً محدداً، يبحث عنه فيجده، ولكن لتحقيق هذا المشروع أحتاج إلى رأس المال، وأحب هنا أن أؤكد بأنه لا مانع بأن يُغني ما لدي من أرشيف الإذاعات والتلفزيونات كي يكون متاحاً لأكبر شريحة ممكنة.

من جانب آخر.. هل تعتبر بيع أشرطة الكاسيت مهنة أو كما نقولها بالعامية (مصلحة)؟
طبعاً، بيع أشرطة الكاسيت هو (مصلحة) ولكنها انقرضت، فسمّيعة الكاسيت جدّ قليلون وحتى من يبيع هذه المادة أصبحوا بعدد الأصابع والناس سارت مع العصرنة والتكنولوجيا والانترنت التي أتاحت لهم كل ما يريدون، اليوم الكاسيت فقد قيمته السمعية، بداية من الأسطوانة الكبيرة( الزفت) ثم بعدها الكاسيت والسيديه، وفي المرحلة التالية جاءت الـ(mp3) ثم الـ(mp4)، واليوم الموبايل الذي يفتح مستخدمه من خلاله الإنترنت ويستمع للأغاني المطلوبة عبر المواقع، وحتى إن فيلم كاميرا(كوداك)لا نجده في الأسواق لقد انعدم استخدامه.

في أيامنا هذه هل يأتي أحد إليك ليشتري أشرطة الكاسيت؟
للأسف لا يأتي إلي أحد من أجل هذا الأمر، كون من يأتي إلينا يكون لديهم مكنة (بكر) أو مسجلة قديمة موجودة في المنزل أو السيارة، ولكن اليوم السيارات حديثة مسجلتها مختلفة وأجهزة كمبيوتر وموبايلات تُغني عن الكاسيت، ومن لديهم المسجلة يحتفظون بها لأنها ذكرى من والدهم أو جدهم ولا يستخدمونها أبداً، إذا الكاسيت فقد قيمته الشرائية والسمعية وهنا أحب أن أشير إلى نقطة مهمة، في ظل الوضع العام المواطن السوري أُرهق وليس لديه وقت كي-إن صح التعبير-ينقّي سمعه بالموسيقا الراقية والأصيلة، بل وكل ما هو معروض على الراديوهات والتلفزيونات أعود به إلى كلمة الملحن محمد عبد الوهاب لما سألوه مرة عن رأيه بالمطربين، وقتها أجاب: (زي الصين واليابان… بيشبهوا بعضهم)، وبالتالي الموسيقا اليوم كلّها تشبه بعضها.

حدثنا عن آلية طباعة ونشر أشرطة الكاسيت في ذلك الزمن وعن شوق الجمهور للحصول عليها؟
منذ عام1984و محلي هذا معتمد على بيع ونشر الكاسيت، وتعاملت مع شركة (صوت آسيا) وكانت شركة كبيرة، وإنتاجها غزير وفي وقتها الكاسيت كان ملك السوق، والتعامل يتم مع الفنان العربي مباشرة، وبعد أن ينتهي من تسجيل أغانيه كان يُرسل إلينا النسخة، وفي ذلك الوقت كان الكاسيت بأوج عزّه، وأنا الموزع للشركة في دمشق والأردن ولبنان، والجمهور وقتها- صدقاً ومن دون مبالغة- يقف بالدور كي يحصل على نسخته من جديد الفنانين لاسيما من الزمن الجميل كوردة الجزائرية، ميادة حناوي، عبد الوهاب في «حبيبتي من تكون»، وكنا ننسخ نحو خمسة آلاف نسخة لكل فنان، وتباع خلال ثلاثة أيام بين جملة أو مفرق، وبالطبع زمن الكاسيت هو الزمن الجميل وزمن الناس السميعة للطرب والأصالة، فلقد كان له رهجته وبريقه، جاء بعده السيديه الذي أخذ وقته في التعامل، وهنا أحب أن ألفت إلى سوء وضع الأغنية السورية وإهمالها وخبو بريقها لأنها تحتاج إلى إنتاج وتوزيع وحماية حقوق واستديوهات، بمعنى كل العناصر ضرورية لصناعة نجمنا السوري والذي يمتلك خامة رائعة ومميزة عن الأصوات العربية، لهذا فقدنا هوية الأغنية السورية بسبب إهمالنا وتصفيقنا واهتمامنا بأصوات عربية ليست بالمستوى المطلوب، هذا مع نشر منتجهم بالإذاعات والتلفزيونات على حساب مواهبنا السورية الشابة والتي من الأولى الاهتمام بها واحتضانها.

كانت أشرطة الكاسيت تقدم للجمهور مواد ذات مستوى صوتي عالي الجودة.. ما تعقيبك؟
تماماً.. فنحن من خلال شركة (آسيا) كنا نتعاقد مباشرة مع الفنان ونأخذ منه النسخة الأصلية أو (الماستر) من الاستديو، وهي ذات مستوى عالي الجودة في نقاوة الصوت، وعند طباعتها كان كل بياعي الكاسيت يأتون ليأخذوا من عندنا لأن لدينا نسخاً أصلية.

هناك دراسة تقول بأن الكاسيت يعود للحياة والتداول في الدول الأجنبية وبأن الكثير من النجوم يصدرون ألبوماتهم بنظام الأشرطة… ما تعقيبك؟
لم أسمع هذه الدراسة من قبل، ولا أظنها صحيحة، فأنا أرى أن الكاسيت لن يعيش من جديد لأن آلة تشغيله قد انقرضت سواء في الإذاعات والمكاتب أم حتى بالسيارات، والأمر يمكن تعميمه على دولنا العربية، ففي مصر حيث أسافر كثيراً مع أنه لديهم جمعية حماية المؤلفين والملحنين وهم أهل الكاسيت، فهذه المادة انقرضت، وحتى في المحلات القديمة المختصة بالموسيقا الطربية تتعامل اليوم بالسيديه.
أنا أتمنى أن تكون هذه الدراسة صحيحة وبصراحة كل أرشيفي من الكاسيت، فالأخير يحافظ على المواد السمعية أكثر من السيديه الذي يحتاج إلى اهتمام ويتأثر بالظروف الخارجية من رطوبة وغيره من العوامل.

أخيراً سحر الطرب والموسيقا لمسك.. فلو افترضنا جدلاً بأنك ستغيّر هذه (المصلحة) وحان وقت امتطاء ركب العصرنة والتكنولوجيا.. ما العمل الآخر الذي يمكن أن تمتهنه؟
لا يمكنني أن أغيّر عملي، فهذا المحل يحافظ على التراث السمعي الذي اقتنيته بعصر العمالقة، وربما بعد أن أنتقل إلى العالم السماوي، أولادي لن يكونوا حريصين على هذا الإرث كما فعلت أنا، وكلامي هذا أقوله بكل صراحة وبصدق كبيرين، فمن سيقدره؟ رغم أنه لا يقدّر بثمن على الصعيد المادي، ولكن أنا لا يهمني النقود وهمي أن يصل ما بين يدي للجمهور، وأن يتعرف الشباب على ما لدينا من ثقافة موسيقية هي من هويتنا وأصالتنا ويجب ألا تندحر، ومن خلال برنامج (نثرات من ذهب الزمان)على إذاعة شام إف إم، لدينا جمهور متابع ويجد فسحة من الأمل والراحة بعظمة الطرب وأصالة موسيقانا العربية في الزمن الجميل.

من كوكب قريب
في حوارنا هذا كان لابد لنا من التوقف أيضاً مع أهل الخبرة والاختصاص وفي جانب آخر من دمشق الياسمين، لنلتقي بفادي اللحام الذي يعمل حالياً على إدارة (تسجيلات المحطة) المحل الذي ورثه عن أبيه وعمه، وعن حياة شريط الكاسيت أخبرنا «لقد كان لشريط الكاسيت -إن صحّ التعبير- عز وقيمة، والعمل على نسخها وتوزيعها هو مهنة بحد ذاتها، فمشواري بهذا المجال في (تسجيلات المحطة) يرجع لحوالي ثلاثة وعشرين عاماً، والتأسيس يعود لوالدي رحمه اللـه محمد جواد اللحام وعمي رأفت اللحام. وأنا أتذكر جيداً بأن الجمهور كان ينتظر النجوم السوريين والعرب بما يصدرونه من أشرطة كاسيت، ومنهم على سبيل الذكر: فيروز، نصري شمس الدين، رفيق شكري، نجاح سلام، وديع الصافي، جورج وسوف، صباح فخري، ملحم بركات، الياس كرم. وبالطبع عندما كنا نُلصق منشور الكاسيت الجديد كان ينهال علينا الزبائن بالاستفسار والسؤال حول وقت الحصول على النسخة ومتى ستكون متوافرة بالأسواق.
بالفعل أيام التعامل بأشرطة الكاسيت هي من أوقات الزمن الجميل والأصيل من حيث الموسيقا ومستوى الأغاني وحتى في صعود النجوم، والأمر الأجمل هو دقة الصوت وجودته، فمن أساسيات توزيع الكاسيت بعد نسخه هو الحصول على النسخة الأصلية، وهذا الأمر كان يتم بالتعامل المباشر مع المغني العربي.
بعدها بسبب تطور التكنولوجيا انتقلنا من مرحلة الكاسيت إلى نسخ السيديه وتوزيعه، وبالطبع بعد أن خبا وهج السيديه واستخدامه أصبح محدودا، نحن توجهنا نحو تسويق الآلات الموسيقية وتصليحها، ولكننا حافظنا على الكاسيتات والأسطوانات والسيديات كأرشيف خاص للمحل.
إنّ بيع أشرطة الكاسيت ومن ثم السيديه مع توزيعهما في الأسواق هو عمل ثقافي، وما جمعناه من أرشيف يمثل تاريخاً طويلاً للعديد من نجوم الغناء العربي، فلدينا الكثير من التسجيلات للحفلات الخاصة ونوادر للعمالقة والتي لم يسمعها الناس بعد، وأخيراً نحن بصدد أن نسير وراء ركب العصرنة، وقريباً عبر اليوتيوب سننشر ما لدينا من أرشيف خاص بصباح فخري وجورج وسوف وغيرهما الكثير من العمالقة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن