ثقافة وفن

بين عطاء وعطاء

| د. اسكندر لوقـا

كثيراً ما نشبه الأرض بالأم الحانية التي تعطي ولا تتوقف عن العطاء، ويزداد حجم عطائها بمقدار ما تُعطى من الرعاية سقاية وتسميداً وسهراً. ولا تدّعي الأرض أن لها فضلاً على أحد لأنها تؤدي دوراً وجدت من أجله. وما تأخذه من صاحب الأرض هو جهده فقط، وبمقدار ما يكون الجهد يكون التعويض على صاحبه.
ولأن العطاء من صفات الشجعان، فإن الأرض، من هذه الناحية، تحاكي الكرماء الذين تركوا بصماتهم في سجل التاريخ، ويبقى الناس يرددون أسماءهم إلى أمد غير محدود وإن كانوا قد غادروا الحياة منذ قرون طويلة.
وبمقارنة الكمّ الهائل من أنواع الغذاء الذي تعطيه الأرض من دون مقابل، كي تؤمن سبل العيش للبشرية بمليارات سكان العالم اليوم وكما كانت على مدى الأيام، بمقارنة ذلك بالذين يتبجحون بعطاء قد لا يكون مساويا مثقال ذرة مما يملكون، نرى كم قيمة الخجل من الذات أولاً قبل غيرنا، إذا ما كان الإدعاء بمثل ذلك العطاء الضئيل عنوان تضخيم الذات أمام غيرها ومن دون استحياء.
العطاء، بهذا المعنى موقف، ومن قيم المواقف أن تكون واضحة وثابتة، وليست خاضعة لرغبات طارئة تزول بزوال مناسبة ما. ولهذا الاعتبار أصحاب المواقف الصلبة والحقيقية في الحياة لا يملكون غير الثبات في مواقعهم، لا يحيدون عنها مهما كلفهم ذلك من جهد وعطاء.
ولدينا في الأقوال التاريخية مثال أعط تُعطى، وحين لا يكون العطاء بشرط يأخذ معناه الحقيقي وإن طال زمن الانتظار، لأن القيمة في سياق هذا الفعل تبقى عالقة في الذاكرة ولا تفقد معناها بمرور الزمن.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن