ثقافة وفن

«ذات لقاء» حوارات في أحوال الكلمة وضروب الفن

| جُمان بركات

«في الحوار… حتى لو كان مع الذات… استشفاف للحقائق وتحفيز واستكناه» بهذه الكلمات بدأ حسني هلال كتابه الذي أعطاه عنوان «ذات لقاء جمع فيه حواراته مع نخبة من أعلام الشعر والقصة والرواية والنقد الأدبي والفن التشكيلي في أحوال الكلمة وضروب الفن.
يتميز الكتاب -الصادر عن الهيئة السورية للكتاب- بلغة سلسة وأسلوب أدبي لطيف ولغة سليمة، ويأتي الحوار مع المبدع لحثه على قول ما لم تتضمنه أعماله ولم يعرفه القارئ عنه، وفي هذا محاولة لاستكشاف الذات ومعرفة كينونة كل مبدع.

الشعر
يضم «ذات لقاء» في القسم الأول الشعر، وكانت بدايته مع ميخائيل عيد الذي قال: العبودية لمن نحب هي الحرية الوحيدة المتاحة لنا كي نطل على الحرية الحقيقية في هذا العالم، وقال: أعرف أنني لا أستطيع إنقاذ العالم، ولكني مازلت مصراً على عدم المشاركة في هدمه، وهذا تطور طبيعي للأمور في موقفي على الأقل».
«الأم والحكاية والطفل» مفردات آسرة نقرؤها دائماً في كتابات ميخائيل عيد، ولا يمكن أن يتخيل الحياة من دون هذا الثالوث، حيث قال: المحتويات صورة عفوية لطفولتي الفنية، وهذا يعني أن البذور التي تكونت منها شيخوختي قد نمت على تلك التربة، ومحبة الخير والجمال وإطاعتهما كره للشر والقبح وتمرد عليهما.
ترجم عيد عن البلغارية ما يقرب من 16 كتاباً في القصة والشعر، وكانت «أقاصيص متوحشة» أروعها، مع أنه كان يعتقد أنه لم يخلق للترجمة.
وبين خمس مجموعات شعرية وخمسة كتب نقدية، هي نتاج د. ثائر زين الدين المتداول بين القراء، حرص أن يزود المكتبة العربية بترجمات عدة عن الأدب الروسي، مسيرة أدبية امتدت ثلاثين عاماً لن يلخصها حوار، إنما يسلط الضوء على منابع الإبداع ومسارات ادّفاقاته المنطلقة من ذات الشاعر نحو عوالم إنسانية يقطّرها الوجد وينشرها الخيال.
أكاد أسمع طرقاً يقول: «إننا عائدون.. يسمونني شاعراً فلسطينياً وأؤكد أنني شاعر عربي بامتياز» وبحضوره البهي وسمرته البدوية ولكنته الفلسطينية يأخذك خالد أبو خالد إلى سيلة الظهر وحيفا ويافا، إلى صفد ودالية الكرمل، إلى عسقلان والنقب، حيث بيارات الكلام وخضرة المواجع المترامية في حاضر وماضي ومستقبل فلسطين أرضاً وشعباً، اغتنت تجربته الشعرية من خلال تجربته في العمل الفدائي وتحديداً بقاموسها الذي انتشر في قصائد جيله والأجيال اللاحقة، وحافظ في شعره على التفعيلة والوقع الموسيقي من دون أن تقترب من قصيدة النثر.
«الازدواجية تحتل الشعر.. الانتحار كامن في الولادة.. والنقاد معظمهم غير مبدعين» إنصاف الأعور معضاد، في دارتها يلتقي الأدباء من كل حدب وحب، وفي نظرتها يلتقي العرفان بالتمرد، وفي قلبها يلتقي اللـه بالإنسان، وللأدب في حصالة عيشها وفرة بادية، ولشعرها على السياسة لمسات دافئة، وللطفولة الجميلة الأنضر من حديقة عنايتها، يقول عنها «الماغوط» إنها صديقة الحزن الذي لا أصدقاء له، ويراها «أنسي الحاج» بشخصها شاعرة أكثر، ويعجب بها «أدونيس» رفيقة في الشعر.
السرد

تقول اعتدال رافع «لا مسافة بين قلمي وألمي.. المقبرة عالمي المريح… وحلمي قبل الرحيل أن أرى سورية بخير وأمان» زارها حسني هلال في دار السعادة للمسنين في دمشق، ولم يكن الزمان والمكان الأمثل لمطارحتها أسئلة في هموم العيش ومهام الأدب وإشكالاته بقدر ما كان عربون تقدير وعرفان بجميلها وجمالها وإخلاصها أديبة وإنسانة، ولاسيما أنها الكاتبة المعروف عنها تواضعها وابتعادها عن الأضواء.
حتى لو قال أحمد يوسف داؤد عن نفسه إنه ينتمي إلى عصبة الهواة في الفكر والنقد والفن والحياة، يبقى أديباً مؤسساً في فنون الأدب السوري رواية ومسرحية وقصة وقصيدة، واسماً له حضور على الساحة الثقافية أديباً محاضراً وناقداً منذ سبعينات القرن السابق.
والكاتب والأديب فيصل خرتش قال: «لا أحقق نفسي إلا بالكتابة، الرواية نهر جار والقصة إحدى محمولاته» واستطاع لفت عناية المتلقي بصدق وحميمية سرده، يعتبر أن همومه هي هموم الوطن، فإذا كان الوطن بخير فأنا بخير، وإذا كان الوطن يعاني من محنة فأنا أعاني من محنة.
نجاح إبراهيم القاصة التي تراعد الشعر فوق نصها، وشاعرة هزها القصّ فتهاطلت، امرأة أغواها القدر بولوج متاهة الإبداع منذ عشرين عاماً ومازالت تكابد، لا هي تستطيع إلى النهايات وصولاً ولا إلى البدايات نكوصاً.
الفن التشكيلي

اسم يتردد على ألسنة الثقافة، واحداً من أعمدة التشكيل السوري يضعه النقاد والباحثون في مكانته اللائقة من الموسوعة الفنية في وطننا العربي، ويحفظ له المختصون ذوقه المائز في بورتريه الفن العالمي. يأخذ نذير إسماعيل مادته الخام من بقايا موجودات الطبيعة وبقايا أثاث البيوت وعتيق الأواني المستعملة، فقد يصنع لوحة أساسها بعض الخرق البالية وثانية من كراتين أدوية أو شرائط نحاس، وله رؤيته الخاصة للجمال أي إن له جماله الفني الخارج على الجمال الكلاسيكي ومقاييسه.
وقليل الكلام وكثير التأمل.. في صمته إصغاء، وفي سكونه موار، لتقاسيم وجهه قساوة البازلت وسمرته، ولنظرة عينيه شقاوة الطفولة وبراءتها. في شهبا بيت شفيق نوفل وبيته الرابض كحارس فوق تلة تشرف على منحوتاته وما تركه فيليب العربي من آثار تثير التساؤل.
ويرى عادل خضر أن الفن تعبير مكثف وصيغة إبداعية عن الواقع، مثلما تعلم، فمن المستحيل على الفنان الحق تقديم عمل ما أو أن يقول شيئاً ما ذا بال وقيمة، إزاء هذا الذي يجري في بلدنا، مما لا يطاله وصف ولا تستوعبه تسمية، فأمام الدم لا يمكن أن يزهر عمل أو قول أو فن.

النقد والإخراج
وفي حوارات حسني هلال في مجال النقد والإخراج كانت مع د. عاطف بطرس الذي يتمتع بحضور أدبي وشخصي لافت في ثقافتنا الأدبية، ونصوصه المقروءة في الصحافة المكتوبة، ومداخلات وشهادات على منابر المراكز الثقافية وشاشات التلفزة ومحطات الإذاعة، وتبقى ميزته الأولى في شد المتلقي إلى كلامه في كلا الحالتين: شفاهة وارتجالاً مباشراً أو كتابة ونصاً مقروءاً.
وفي قرية «ذكير» في محافظة السويداء، التي تذكرنا آثارها الظاهرة بغابر مجدنا وتاريخنا، كان الحوار مع المخرج الليث حجو أثناء تصويره إحدى حلقات مسلسل «الخربة»، والذي قال حينها «أحب قراءة نصوص ممدوح حمادة وأستمتع بها، حتى رسائله» و«عندما طلب إلي عدم تجاوز المسموح به تركت العمل في بقعة ضوء».

فنون مختلفة
في حواره مع هيام الحموي الصوت المجبول بأنغام الأنس، والكلمة المفتوحة على حدائق الإبداع، والحضور المنذور لورد وود وخير الوطن، قالت: «شام fm طفلتي الثالثة، أتعامل مع الكتابة كهواية، حكمت وهبي لا يغيب عن بالي».
بدأ ممدوح حمادة شاعراً ومازال يكتب الشعر، وبسبب نزوحه الدائم لم يتعلق بالأمكنة، كانت بدايته مع التلفزيون في «بطل من هذا الزمان» و«جلنار»، وفي أحاديثه ولقاءاته -مثلما هو في أعماله- يميل للاختصار والاختزال، وكثيراً ما تأتي إجاباته أقصر من الأسئلة الموجهة إليه، وحلقاته في «بقعة ضوء» تدل على ذلك وتؤكده، لم تبلغ ممارسته الصحافة والكاريكاتير سن الرشد، خلافاً لحاله في القصة والسيناريو اللذين اجترح فيهما مكانة وبصمة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن