قضايا وآراء

حسابات أردوغان الخاسرة وهزيمته المحتملة

| تحسين الحلبي

منذ بداية تدخله العسكري ودعم المجموعات الإرهابية ضد سورية، كان الرئيس التركي رجب أردوغان يعتقد أو يتوهم في الحقيقة، أنه يملك أوراق قوة كثيرة يستطيع استخدامها في المنطقة وفي سورية لتحقيق أهدافه إن لم نقل أوهامه، وتبين الآن بشكل ساطع أنه خسر كل هذه الأوراق أمام مجابهة سورية وحلفائها له وللحرب التي يشنها، فقد خسر ورقة «الحلف الأطلسي» الذي تركه وحده في ساحة عدوانه وعجز الحلف عن إعطائه وعداً بإرسال قوات تدعم جيشه لأنه يدرك أن الخسارة في أي دعم عسكري للرئيس التركي ضد سورية وحلفائها سيؤدي إلى خسارة أو هزيمة مؤكدة.
ثم فقد ورقة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي لا يقل جنوناً عنه، فالإدارة الأميركية رغم اهتمامها بأردوغان وسياساته التي تخدم مصالحها، تحولت الآن بعد اتفاقها مع مجموعات طالبان في أفغانستان، إلى اتباع سياسة سحب قواتها بالتدريج من تلك البلاد بعد 19 عاماً على تدخلها العسكري دون أن تحقق أهدافها، ووجد أردوغان أن أقصى ما تقدمه واشنطن هو الذخائر والسلاح وليس الجنود الأميركيين، وعليه هو استخدام جيشه المتعثر في هذه الحرب التي اختار توقيتها بشكل يخالف التوقيت الأميركي، فواشنطن تدرك أن قدرات سورية وحلفائها الإقليميين في إيران والعراق ستشكل كفة راجحة على القوة التركية، كما يدرك ترامب نفسه أنه حاول مرتين استعراض قوة ردعه ضد إيران، فسقطت قدرة الردع الأميركية في المرة الأولى في بحر الخليج، حين أسقطت له طهران أحدث الطائرات الأميركية المسيرة وتراجع عن الرد، كما سقطت قدرة الردع الأميركية في المرة الثانية حين ردت طهران على عملية اغتيال الفريق قاسم سليماني بضرب أهم قاعدة عسكرية أميركية على أرض العراق ودمرتها وجعلت أكثر من مئة من جنودها مصابين بأمراض دفاعية يقضون خدمتهم في المستشفيات الأميركية، ولم تجرؤ إدارة ترامب بعد هذه الضربة الشديدة على الرد، فماذا بقي لأردوغان من حلفاء يعتمد عليهم؟ لم يعد لديه سوى قطر التي تقدم المال له بموافقة أميركية.
أما إسرائيل فقد تحولت جبهة الشمال الممتدة من الجولان المحتل إلى جنوب لبنان، لكابوس يهدد بموجب تصريحات قادتها مصير إسرائيل ووجودها، وفي الوقت نفسه تآكلت قدراتها أمام حتمية سقوط آلاف إن لم يكن عشرات الآلاف من الصواريخ على جبهتها الداخلية، وهذا ما اعترف به في مركز «هيرتسيليا» رئيس الأركان الإسرائيلي أفيف كوخافي قبل أسبوعين في ندوة حول تقدير الوضع تجاه الجبهة الشمالية، فأردوغان لن يرى في مسرح حربه ضد سورية سوى نفسه مسلحاً بأوهامه وتهديداته وأكاذيبه التي لا يحتمل أن تستفيد منها قيادة الجيش العليا التركية، لأن الجيش التركي سيكون وحده في حماية المجموعات الإرهابية في جبهة تمرس فيها الجيش السوري وحلفاؤه من القوات الحليفة والرديفة على قتال هذه المجموعات وتصفية وجودها وكذلك على التصدي لجيش نظامي تركي ينتشر على مساحات يُحيط بها الشعب السوري الذي لن يتوقف عن مقاومة غزاة الجيش التركي، ولذلك بدأت، بموجب ما تتحدث بعض أوساط المعارضة السياسية في تركيا عن ضغوط قيادة الجيش التركي على أردوغان التي تتزايد للتراجع عن أي تصعيد يتوهم منه أردوغان أنه سيخيف سورية.
وهذا ما يؤشر له آخر تصريحات أردوغان واتصالاته بالرئيس الإيراني حسن روحاني وتوسله للقاء مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي رفض منحه فرصة أي لقاء في الأسبوع الماضي، ولذلك لم يعد لدى أردوغان بعد مغامرته العسكرية هذه سوى التراجع بعد المجابهة الميدانية التي تصدى له فيها الجيش السوري وحلفاؤه والبحث عن مخرج.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن