قبل أعوامٍ انتشر خبر يقول إن «إسرائيل» تجهّزُ لمشروعٍ يُمهّد لمطالبة الدول العربية بتعويضاتٍ عن أملاك اليهود الذين غادروها، لا يكتفي المشروع بطلب التعويضات عن الفترة الحالية لكنهُ قد يعود لفترة ما قبل الاحتلال العثماني، لدرجةٍ قد نكون فيها كمسلمين مطالبين بتسديد ثمن الباب الذي تم خلعهُ عن «حصن خيبر» مثلاً، أو ثمن ترحيل الأنقاض بعد أن قرر «بني النضير» هدم منازلهم وأخذ كلّ شيءٍ معهم قبل مغادرتهم للمدينة المنورة؟!
ربما قد يبدو الأمر نكتة سمجة لكن من يُطلق هكذا تصريحات يعي تماماً ما يريد منها، فالدول العربية شبه المنهزمة قد لا تمانع بدفع هكذا تعويضات لكي ترضى عنهم إسرائيل، أو أن ينجح الإسرائيلي بكسب حالةٍ إعلامية تعوّمه كناطقٍ رسمي ووريثٍ شرعي للإرث اليهودي، علماً أن هكذا إرث هو ملك البلدان التي ولد فيها هؤلاء اليهود وكانوا جزءاً لا يتجزأ من سياق التراكم الحضاري لها، لكنها للأسف الحرب الناعمة التي يجيدها من لا يمتلك التاريخ أو القيم بل القذارة والوضاعة.
على ذات السياق يسيرُ من يناظر الإسرائيلي بكذبه وإجرامه، فقبل أيام تقمص رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان شخصية «أحفاد الصحابة» ليخبرنا بأن الأتراك قدّموا شهداء في غزوات «بدر» و«الخندق» و«أُحد» ليلاقيه قطيعه المناصر بعاصفةٍ من التصفيق والهتاف، كيف لا وسياسة صناعة القطيع التي يتقنها أصحاب النزعات العرقية والمذهبية لابدّ وأن تأت بمفعولها؟!
عندما شاهدتُ الفيديو انتابني الخوف، هرعتُ إلى «العم غوغل» سائلاً إيّاه أن يعطيني نسخة عن القرآن الكريم باللغة التركية، أردتُ أن أطمئن بأن الآية الكريمة «إنّا أنزلناهُ قُرآناً عربياً» ما زالت على حالها ولم يتمّ تحويرها إلى «قرآناً عثمانياً»، أردت أن أتأكد بأن اللسان العربي الوارد في الآية الكريمة «وهذا كتابٌ مُصدّقٌ لساناً عربياً» ما زال عربياً وليس تركياً أو فارسياً.
الموضوع ليس مزحة، هذه التفاصيل الصغيرة التي تبدو لنا كاريكاتورية هي واقع يعيشهُ الآخرون ويدافعون عنه، إذ كيف يمكن لأردوغان أن يُقنع القطيع من حوله بأن دولة الإجرام العثمانية هي دولة «الخلافة على سنة اللـه ورسوله» ما لم يقنعهم بأن أجداداً لهم قاتلوا مع الرسول عليه الصلاة والسلام؟ كيف له أن يقنعهم بإرسال أبنائهم ليموتوا في سورية إن لم يقنعهم باستمرارية القداسة لحربهم؟ فهل تصدقون مثلاً إمكانية أن يقتنع أحفاد المجرم سليم بأن كلام حفيده رجب كاذب؟!
ألم نكن نسخر من فتوى «قرع الطناجر حتى يسقط النظام»! لنتفاجأ بمن يتبناها بعد سنواتٍ في لبنان!
في الخلاصة: إن فكرة إعادة النظر بكل مالهُ علاقة بـ«الإرث العثماني» باتت حاجة ملحة رغم أنها في بعض تفاصيلها تستفز من ما زالوا يعتقدون بأن سلطنة الإجرام تلك كانت آخر «دولة إسلامية» حقيقية، هؤلاء ببساطة عليهم الاقتناع بأن التخلص من تبعات المحتل أهم بكثير من التحرر ذات نفسه، ولنتذكر بأن صناعة القطيع في عالمنا المعاصر تتخذ اتجاهين، الأول يستند لتحويل المواطن إلى آلةٍ خالية من المشاعر تستند لمبدأ دعك من السياسة ما دمت أؤمن لك كل وسائل الراحة والأمان وحقك باختيار من يحكمك، أما الثاني فيستند إلى مثل هكذا خطابات تشوّه التاريخ، لكنه يحتاج عملياً لمتلقٍّ غبي ومعبأ بالعنصرية والحقد، هي ليست بضع كلماتٍ يرميها الأحمق، هي قواعد يُبني عليها من شبه ما جرى معهُ ليلةَ الانقلاب بما جرى مع الرسول عليهِ الصلاة والسلام وهو في غارِ حراء! ولأننا ندرك تماماً مراميهِ فإننا ببساطةٍ نقول له:
إن كان لك جد واحد قُتل زمن النبوة، فهو «أبو ثُمامة اليماني» الشهير بـ«مسيلمة الكذاب».