ثقافة وفن

سليمان العيسى وكتاب «موجز ديوان المتنبي»!

| د. راتب سكر

حظي أبو الطيب المتنبي بمكانة بارزة في شغل الشاعر سليمان العيسى (1920-2013) الأدبي: استلهاماً، ودرساً، وعناية، وجاء كتابه «موجز ديوان المتنبي» في سياق هذا الشغل، علامة بارزة ذات دلالات جديرة بالاهتمام.
1- عنوان الكتاب وتلخيص النصوص:
ينتمي كتاب الشاعر سليمان العيسى «موجز ديوان المتنبي، شرح اليازجي»(1) إلى كتب تلخيص النصوص انتماء صريحاً، عبّــر صاحبه الذي أعده عن صراحة انتمائه إلى مضمار التلخيص لطريقتين:
أ- تسميته «موجز ديوان المتنبي»، وكلمة موجز من مرادفات كلمة «ملخص»: لغة واصطلاحاً.
ب- إبراز هوية منهجه المتصلة بالتلخيص، بطريقة تقديم معد – مؤلف الكتاب على غلافه، بالقول: «اختصره سليمان العيسى». وكلمة اختصره من مرادفات أوجزه ولخصه لغة.
2- مقدمة الكتاب:
يضع معدو كتب تلخيص النصوص والكتب عادة مقدمات يوضحون فيها مناهج شغلهم، وطبيعة غاياته المعرفية والأدبية، يكتبها عادة معدو – مؤلفو – ملخّصو – مختصرو تلك النصوص والكتب عادة، أو يكتبها أصدقاؤهم، أو من ينتدبونه لمثل هذه المهمة من أهل القلم والفكر، غير أن هذا الكتاب خلا من مقدمة معنية بالتوضيح المشار إليه، إذ استبدل بها صاحب الكتاب المختصر، ومختصره الشاعر سليمان العيسى مقدمة وضّح مصدرها بتقديم سريع لها، جاء فيه: «من المجلد الأول، من المؤلفات الكاملة للكاتب العربي الراحل صدقي إسماعيل، أخذنا هذه الصفحات التي خطها أديبنا الكبير ذات يوم تحت عنوان: تجربة المتنبي، واخترناها مقدمة لهذا الأثر الخالد الذي سميناه «موجز ديوان المتنبي».
ذيلت هذه المقدمة، التي اختارها مختصر الكتاب من كتابات قديمة للأديب صدقي إسماعيل، (1927-1972م)، أحد أصدقائه الأخصّاء، بتاريخ «آذار 1960»، مما يعني أنها كتبت في مرحلة بعيدة، على الرغم من أهمية موضوعها، عن تاريخ إعداد الكتاب الذي تصدرته، وصدر عام 1998، أي بعد نشرها بنحو أربعين سنة، وجاءت في سياق مختلف عن ضرورات توضيح ما يتصل بمنهج معد هذا الكتاب وغاياته المعرفية في تقديم عمله تحت عنوان: «موجز ديوان المتنبي».
3- قصائد كتاب «موجز ديوان المتنبي»، وقصائد ديوان المتنبي غير الموجز والمختصر:
تفيد الموازنة بين القصائد في ديوان المتنبي الموجز هذا، وديوانه غير المختصر والموجز، في توضيح جوانب مهمة من منهج الشاعر سليمان العيسى في اختصاره له.
أ- منهج التلخيص والاختصار والإيجاز وأبيات كل قصيدة:
يحتاج دارس هذا الكتاب إلى القيام بموازنات بين ما ورد فيه من قصائد، وما ورد من قصائد في نسخ ديوان المتنبي غير الموجز والمختصر، مثل ديوانه بشرح عبد الرحمن البرقوقي(2)، لتـقديم إجابات عن أسئلة مهمة ومفيدة مثل السؤال الآتي:
هل طال منهج اختصار الشاعر سليمان العيسى لديوان المتنبي حذف أبيات من القصائد؟
الجواب: بالموازنة بين قصيدة المتنبي «ما لنا كلنا جو يا رسول» في «موجز ديوان المتنبي، اختصره: سليمان العيسى»، ونظيرتها في «ديوان المتنبي، شرح عبد الرحمن البرقوقي»، يجد الموازن مطابقة تامة خالية من الحذف والاختصار في تداول قصائد المتنبي الواردة في كتاب «موجز ديوان المتنبي».
يتكرر الجواب نفسه بعد الموازنة بين قصائد المتنبي في «موجز ديوان المتنبي، اختصار سليمان العيسى»، مثل: «عيد بأية حال عدت يا عيدُ»، و«اليومَ عهدُكُمُ فأينَ الموعِدُ»، و«وفاؤكُما كالربع أشجاهُ طاسمُهْ»، ونظائرها في «ديوان المتنبي، شرح عبد الرحمن البرقوقي».
ب- منهج التلخيص والاختصار والإيجاز وحذف قصائد كاملة.
تستدعي الموازنات السابقة، البحث بمنهج الموازنة نفسه عن حالة حذف قصائد كاملة من موجز ديوان المتنبي باختصار سليمان العيسى، قياساً على ديوان المتنبي بشرح عبد الرحمن البرقوقي، بحثاً سَرعان ما يكتشف أن قصائد غير قليلة، منها قصائد قافية الشين الواردة في الديوان، محذوفة في موجزه، ومنها قصيدة المتنبي في مدح أبي العشائر الحمداني «مَبيتي منْ دمشقَ على فراشِ»، وقصائد سائرة مثل قصيدته التي يمدح فيها أبا شجاع فاتكاً «لا خيلَ عندكَ تُهديها ولا مالُ / فليسعد النطقُ إن لم تسعد الحالُ».
4- الغايات المعرفية والثقافية لفعل الإيجاز – التلخيص في هذا الكتاب:
لم يوضح معد ومختصر كتاب «موجز ديوان المتنبي، اختصره: سليمان العيسى»، الغايات المعرفية والثقافية التي أسس بها عمله المهم، غير أن دارس هذا الكتاب المطلع على مضمونه، يخلص إلى جملة من الملاحظات والآراء قد تكون مفيدة في توصيف صلاته بغاياته المعرفية والثقافية المؤسسة على الاختصار أو التلخيص أو الاختيار، وتحليلها وتقويمها:
أ- اختصار الشاعر سليمان العيسى لديوان المتنبي في «موجز ديوان المتنبي»، يعنى بديوان شاعر يندر أن ينافسه على إمارة تاريخ الشعر العربي شاعر، فقد جاء في مقدمة صدقي إسماعيل لهذا الكتاب: «علماء الأدب مختلفون في شعره، فمنهم من يرجحه على أبي تمام والبحتري، ومنهم من يرجحهما عليه». إن الاعتراف بأهمية مكانة المتنبي في تاريخ الأدب العربي، يؤسس لغايات معرفية وثقافية مشجعة على تقديم نتاجه موجزاً، تسهيلاً لتوسيع دوائر انتشاره واستقباله في المرحلة التي صدر فيها هذا الموجز أواخر القرن العشرين.
ب- الاختصار والتلخيص بمنهجي الاختيار والحذف:
اختار الشاعر سليمان العيسى قصائد، ثبتها في الكتاب الموجز، وحذف قصائد من ديوان المتنبي، وفق ما جرى شرحه. في الفقرات السابقة.
ج- الاختصار والتلخيص بمنهج الاختيار الكامل لقصائد كاملة من قصائد المتنبي:
ابتعد الشاعر سليمان العيسى، معد الموجز ومختصره عن اختصار القصيدة بحذف بعض أبياتها، واختيار أبيات محددة منها، واعتمد اختيار قصائد كاملة، مقابل حذفه قصائد كاملة.
د- لم يكن انتماء القصائد، إلى مجموعة القصائد السائرة الجياد، معياراً وحيداً للاختيار في صناعة موجز ديوان المتنبي، إذ يلاحظ قارئه أن قصائد سائرة من جياد قصائد المتنبي مثل قصيدته التي يمدح فيها أبا شجاع فاتكاً: «لا خيلَ عندكَ تُهديها ولا مالُ»، قد شملها الحذف، في حين شمل الاختيار ما هو دونها في هذا المضمار.
5- ملحق في توضيح عدة نقاط:
أ- شرح ديوان المتنبي عدّة شارحين مهمين في تاريخ الأدب منذ القرن الرابع الهجري، العاشر الميلادي، منهم أبو العلاء المعري (363- 449هـ)، (973- 1057م) في القديم، والشيخان ناصيف اليازجي (1800-1871م)، وولده إبراهيم اليازجي (1847-1906م)، وعبد الرحمن البرقوقي (1293- 1363هـ)، (1876- 1944م)، في العصر الحديث.
ب- خلا الإصدار الأول للكتاب من تاريخ الطبع، أو ما يشير إليه، غير أن السؤال أفضى إلى ربط الجواب بعام 1998. وظاهرة تغييب تاريخ النشر، على أهميتها، شائعة عربياً، وحلّها غير مكلف عادة.
ج- خلا الاختصار من مقدمة تقدم فكرة تعريفية بصاحبه، ومنهجه في اختصاره، خلواً ربما بدا قليل الأهمية في زمن صدوره في كتاب، وصاحبه في عين العطاء الثقافي سورياً وعربياً، مما يبين أمام المؤلفين والمترجمين أهمية كتابة المقدمات المناسبة في هذا المضمار من جهة، ويبين أمام الأجيال الجديدة من الكتاب والدارسين، أهمية إيلاء منجز من سبقهم المزيد من الدراسات: توصيفاً وتحليلاً وتقويماً.
د- جاءت الكلمات السابقة مؤسسة على الإيمان بأهمية الإيلاء المشار إليه في الفقرة السابقة، من جهة، ومتصلة، من جهة أخرى، بمشاعر وفاء وتقدير نحو قامة ثقافية كبيرة، تابعت طوال سنوات طويلة من العمر، عطاءها الثر، في ميادين الشعر، والترجمة، والدراسة الأدبية، والسيرة وغيرها، متابعة توّجت بسنوات إقامتنا المشتركة في اليمن (1997-2001)، في منزلين متجاورين في سكن جامعة صنعاء، قامة تعززت صورتها في الوجدان بموقع الصديق والأستاذ والأب، على سندس من أدب «أقمناه مقام الوالد».
(1) المتنبي، 1998- موجز ديوان المتنبي. شرح إبراهيم وناصيف اليازجي، اختصره: سليمان العيسى. دار طلاس، دمشق، (462ص).
(2) المتنبي، 1995- ديوان أبي الطيب المتنبي، بشرح عبد الرحمن البرقوقي. تحقيق وتقديم د. عمر فاروق الطباع، م1وم2، دار الأرقم، بيروت، م1(552ص). م2(596ص).

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن