شؤون محلية

أولوية القضاء

| بقلم: نبيل الملاح

في السنتين الأخيرتين كتبت سلسلة مقالات تتعلق بالقضاء قدمت فيها أفكاراً ورؤى واقتراحات للنهوض بالسلطة القضائية وتجاوز عثراتها وما أصابها من خلل وتراجع في أداء وظيفتها في الدولة والمجتمع، وكان اهتمامي بالقضاء نابعاً من إدراكي أن مؤسسة القضاء تعتبر المؤسسة الأهم في الدولة باعتبارها السلطة المعنية بتحقيق العدل والعدالة بين أفراد المجتمع وبينهم وبين الدولة، وهي المسؤولة عن تطبيق القوانين وفقاً لقصد المشرع وغايته، والمحافظة على حقوق وممتلكات الأفراد والمال العام.
لقد كانت الأفكار والاقتراحات التي قدمتها ناتجة عن تجربة وممارسة وبحث علمي وعملي، وما أسمعه من الناس عن معاناتهم عندما يضطرون لرفع دعوى قضائية.
إلا أن ما أكتبه لم يلق استحساناً من البعض في القضاء؛ حيث اعتبروه تمادياً على السلطة القضائية وتدخلاً في شؤونها؛ في الوقت نفسه كنت أسمع ثناء وتقديراً لما أكتبه من قضاة كبار أجلاء.
على الجميع أن يدرك أن القضاء ملاذنا جميعاً ومن حق كل واحد منا أن يسلط الضوء على ما يظهر فيه من خلل وتقصير؛ فالقاضي يصدر حكمه باسم «الشعب العربي في سورية»، وبالطبع لا يجوز ولا يحق لأحد أن يتدخل في عمل القضاة والأحكام التي يصدرونها؛ لكن هذا لا يعني ألا تتم محاسبة القاضي الذي يرتكب خطأ مهنياً جسيماً في حكمه عن قصد وغير قصد.
لذلك اقترحت وأؤكد ضرورة إحداث مكتب أو إدارة تتبع مجلس القضاء الأعلى تكون مهمتها تقييم أداء القضاة من خلال الأحكام التي يصدرونها وما يرد عنهم من معلومات موثقة تؤكد وجود شبهة فساد، وذلك بوضع الأسس والمعايير الدقيقة والآليات الناجعة للوقوف على كفاءة القاضي ونزاهته وكل ما يتعلق بذمته المالية. واقترحت الاستعانة بالقضاة المتقاعدين الذين ما زالوا قادرين على العطاء، وأعتقد أن هؤلاء هم الأقدر على تقييم القضاة القائمين على رأس عملهم بموضوعية وحيادية.
وكذلك اقترحت تعديل بعض الأحكام الموجودة في قانون أصول المحاكمات المدنية بقصد منع استغلالها في إعاقة تنفيذ القرارات القضائية المكتسبة الدرجة القطعية، وبما يؤدي إلى سرعة البت بالدعاوى وعدم المماطلة فيها. ولا بد من تضمين قانون أصول المحاكمات أحكاماً تنظم عمل المصفي القضائي للشركات ضمن إطار التنفيذ الجبري.
واقترحت لجنة قانونية شكلها وزير العدل في حينه تعديل قانون الشركات بما يؤدي إلى الفصل بين تصفية شركات الأشخاص وتصفية شركات الأموال، والتصفية القضائية والتصفية الاتفاقية أو الرضائية. وسمعت أنه تم تشكيل لجنة في وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك لتعديل قانون الشركات، ولا أعرف إذا قامت هذه اللجنة بدراسة المقترحات أم لا؟
وكانت الاقتراحات الأهم تتعلق بأسس ومعايير اختيار القضاة وتأهيلهم وتدريبهم، والعمل على تحقيق الشروط التالية في انتقاء القضاة: العلم والأخلاق والحكمة والحلم والرحمة والتواضع والحزم.
وأتمنى أن يترسخ في عقل القاضي وسلوكه أن القضاء هو مؤسسة عدل وإنصاف وليس لاصطياد المتقاضين والتعامل معهم بفوقية وتعالٍ؛ فبعض القضاة يتصرفون بدافع السلطة الممنوحة لهم من دون مراعاة كرامة الآخرين وقدرهم.
إننا نهدف في النهاية إلى أن يتخلص القضاء من الشوائب التي لحقت به، ويعمل على إيجاد «جهاز تنقية آلي» يطرد الفساد والفاسدين فيه ليبقى بعيداً عن الشبهات والسلبيـات، ويحظى باحترام وتقدير الجميع.
وعندها سننتقل للكتابة عن أمور أخرى تهم الوطن والمواطن، وسيبقى القضاء أولويتنا جميعاً ومحل احترام وتقدير الجميع.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن