قضايا وآراء

أردوغان: حافة الهاوية.. أم الهاوية؟

| د. بسام أبو عبد الله

لا يغيب رئيس النظام التركي رجب أردوغان عن الشاشات وشبكات التلفزة ووسائل الإعلام، لشعوره بالوضع الصعب في إدلب، بعد أن زجّ بكل قوته هناك دعماً للإرهاب والإرهابيين، الذين دعمهم ودربهم وقادهم طيلة سنوات الحرب الفاشية على سورية، واعتقد أردوغان أن بإمكانه الاستمرار بلعبة الرقص بين المحاور لتحقيق مخططاته وأهدافه، التي تقلصت من سورية كاملة إلى محاولات إقامة ما يسميه «منطقة آمنة»، وفقاً لـ«مللي ميثاق 1920»، إذ ينطلق من أن هذه الأرض جزء من تركيا جرى اقتطاعها من قوى استعمارية فرنسية بريطانية مع بداية القرن الماضي، وجرى تثبيتها باتفاقية لوزان الثانية تموز 1923.
هذا الخطاب الأردوغاني المستمر والمخلوط بعبارات دينية وآيات قرآنية، وزج للمؤسسة الدينية التركية في معركة أردوغان وليس تركيا، تختلف معه العديد من الأوساط السياسية التركية ذات التوجه الأوراسي، والتي أصدرت بياناً بتاريخ 24 شباط الماضي حذرت فيه أردوغان ونظامه من الفخ الذي نصبته له الولايات المتحدة وإسرائيل حسب البيان، الذي يرى أن دفع تركيا لحرب مع سورية هو هدف أطلسي، وهم من يحرضون على هذه الحرب ضد الحكومة السورية التي هي خطوة للإيقاع بـتركيا في فخ كبير، تؤدي لعزلتها عن حلفائها الإستراتيجيين (روسيا وإيران والصين والعراق)، وتؤدي لانقسامات داخلية في تركيا، وإلى الفوضى، وحسب هذا البيان فإن ما نشره مركز «راند» الأميركي في 20 كانون الثاني الماضي، يمثل الوثيقة التي تعمل عليها الولايات المتحدة، وهي إحداث الصدام بين أردوغان والجيش التركي، وبين أردوغان والكماليين، وبين أردوغان ووزارة الدفاع التركية، وحسب البيان فإن انتقادات عبد اللـه غل، وعلي باباجان، وداوود أوغلو، والذين توحدوا الآن، لا تمثل سوى جهود مكشوفة للقوى الأطلسية، لأن هؤلاء هم من وقعوا الاتفاق السري في 2 آذار 2003 مع وزير الخارجية الأميركي الأسبق كولن باول، لتنفيذ مشروع الشرق الأوسط الكبير، وبالتالي فإن انتقاداتهم الآن لا تمثل الواقع والنيات لديهم، ومن هنا فإن زج تركيا في الحرب ضد سورية، هو فخ كبير أميركي حسب هؤلاء.
يعيد البيان تذكير أردوغان بالخيارات الإستراتيجية المفترض بـتركيا أن تسلكها، ومنها التوجه الأوراسي الاقتصادي خاصة مع روسيا، الصين، إيران، وجوار تركيا سورية، والعراق، أي غرب آسيا.
مناسبة إلقاء الضوء على هذا البيان هي لشرح بعض جوانب الصراع القائم داخل تركيا، والذي دعمته موسكو بعد أن بدأ أردوغان بعض التحولات إثر محاولة الانقلاب في تموز 2016، ولكن يبدو أن أردوغان يحاول الانقلاب، أو التفلت من نفوذ هذا التيار الأوراسي من خلال انقلابه على التفاهمات معهم، والعودة لسياسة الرقص بين المحاور أي بين موسكو وواشنطن، وهو الأمر الذي كان ممكناً في بعض المراحل، ولكنه بدأ يضيق جداً في إدلب، والحقيقة أن موسكو تعرف تماماً هذه التفصيلات في الداخل التركي، وهي تتحمل جلافة وكذب وتلوّن أردوغان لأنها تدرك أن الخيار البديل في تركيا سوف يكون أطلسياً، أي جماعة غل وباباجان وداوود أوغلو، وحتى حزب الشعب الجمهوري المعارض، وحزب الشعوب الديمقراطي الكردي، وهؤلاء جميعاً لا يؤمنون بالتعاون مع روسيا والصين وإيران كخيارات إستراتيجية، وكانوا جزءاً من مشروع الحرب على سورية، ولكنهم يستغلون حماقة أردوغان وتخبطه، وخوفه على مصيره الشخصي، من أجل إطاحته والمجيء ببديل أطلسي خالص!
السؤال الذي قد يطرحه البعض هو: هل بقاء أردوغان أفضل على عجره وبجره ووقاحته؟!
هكذا كانت تعتقد الأوساط الروسية وحتى الإيرانية، على الرغم من عدم قناعة دمشق بذلك، ولكنها كانت ومازالت تعطي الحلفاء إمكانية المبادرة الدبلوماسية والمرونة بهدف الوصول للأهداف المشتركة نفسها، ولكن معركة إدلب وتحرير ريف حلب كشفت أردوغان ونياته أكثر، وعلى الرغم من قناعتي أن موسكو وطهران تعرفانه جيداً، إلا أن المطلوب الآن أصبح بحاجة للمزيد من الضغط والقوة والتأديب لأردوغان، كي يفهم أن ما هو مطلوب منه عليه أن ينفذه، ومن يتابع ما يقوله، الكرملين والخارجية الروسية والدفاع الروسية بالتنسيق مع بيانات القيادة السورية، وكذلك الإيرانية، يفهم أن الكيل قد طفح، ولابد من المزج السريع بين القوة والدبلوماسية، وهو ما يحدث تماماً قبل قمة موسكو بين بوتين وأردوغان في يوم نشر هذا المقال.
الآن أين الهاوية التي بدأ أردوغان ينحدر إليها، أو الفخ حسب رأي الأوراسيين الأتراك، والمقربين من موسكو.
1- انقسام داخلي تركي واضح، على الرغم من محاولات أردوغان اللعب على المشاعر القومية والدينية، والإكثار من خطاباته التي تكاد تكون يومياً، ما يوحي بأنه مضطرب ومأزوم ومتخبط.
2- اشتباك مع الاتحاد الأوروبي في قضية اللاجئين التي تبين أنه يكذب بأرقامهم وجنسياتهم، وأن بعض الأوروبيين يريدونها حجة لدعمه في ما يسمى «منطقة آمنة» كالمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل مثلاً.
3- دعم أميركي موارب، بإيفاد الممثل الخاص للولايات المتحدة لشؤون سورية جيمس جيفري للمعسكرات ولقائه مع ممثلي الإرهابيين من «الخوذ البيضاء»، وإبداء الاستعداد لدعم تركيا استخباراتياً ولوجستياً لدفعها نحو الحرب ضد سورية، وبالطبع ضمناً روسيا، وإيران، وفك التفاهمات الروسية التركية الإيرانية من خلال أستانا، ولم تخفِ مندوبة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة سعادتها بـ«دفن أستانا»، واعتبارها هذا المسار ميتاً.
4- ظهور حنق روسي واضح جداً تجاه أردوغان الذي يعمل على استخدام القوة ضد موسكو لفرض مشروعه «المنطقة الآمنة»، مقابل إصرار روسي على تنفيذ سوتشي المتفق عليه منذ 17 أيلول 2018، وما بعد سوتشي، وخاصة أن موسكو قالت علناً إن هناك:
• دمجاً بين نقاط المراقبة التركية والإرهابية.
• استهدافاً شبه يومي للقواعد الروسية.
• إصراراً على عدم وجود حلول وسط مع الإرهابيين.
• كشف الكذب الأردوغاني في قضية البعد الإنساني.
• إفشالاً للمحاولات التركية العسكرية المستمرة.
لا شك أن أردوغان سيذهب إلى موسكو، وهو محمل بكل هذا الانكشاف، وبكل هذه الهزائم، سراقب نموذجاً، ليسمع من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ماذا يجب فعله وعمله على مراحل، ولكن بنتيجة واحدة، وهي أن لا مكان للإرهابيين في إدلب، وأن هذه الأرض يجب أن تعود لسيادة الدولة السورية، كما بصم أردوغان على عشرات الاتفاقيات والتفاهمات مع موسكو وطهران ودمشق ضمناً، والتي أعلنت قرارها الإستراتيجي الواضح أنه لن يبقى شبر واحد من الأرض السورية تحت سيطرة الإرهابيين والمحتلين والانفصاليين.
إن ما ذكرته أعلاه ليس هدفه القول إن بقاء أردوغان أفضل، ولكن لضرورة فهم تفاصيل كثيرة في المشهد المعقد، فمعارك إدلب تبدو لنا جميعاً شرسة وقاسية، وفيها تضحيات كبيرة، ولكن نتائجها ستكون إستراتيجية، وسوف تسقط إحدى أخطر الأوراق بيد معسكر العدوان على سورية، كما أسقطنا سابقاً أوراق حلب، الغوطة، الجنوب، الوسط، وكلها معارك لا نواجه فيها الأدوات فقط، إنما الوجوه الأصيلة، التي أطلت أخيراً على المشهد، وأعتقد أنه لابد من هزيمتهم مباشرةً كي تدرك هذه الأدوات أنها تافهة ومرتزقة ومجرمة بحق الوطن والشعب، ولن يغفر التاريخ لها ذلك.
أما أردوغان فلا أعتقد أنه إن استمر بهذا الخطاب الفارغ والعنتري، ولم يبحث عن مخرج روسي، فإنه بالتأكيد قد أصبح في الهاوية، لأنه تجاوز الحافة كما نرى، ولا أعتقد أن أحداً سوف يشعر بالحسرة على هذا الأحمق الذي أسقط كل سلالم الهبوط الآمن، واعتقد نفسه سلطاناً في زمن غابر، انتهى ولن يعود!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن