قضايا وآراء

دوامة الطريق المسدود في الانتخابات الإسرائيلية

| تحسين الحلبي

تبين بعد عرض نتائج الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية «الكنيست» وهي الثالثة منذ نيسان 2019 وحتى آذار 2020 أن التيارين السياسيين والحزبين نفسيهما عادا إلى الطريق المسدود نفسه، كتلة نتنياهو الإجمالية مع بقية الأحزاب التي تؤيده لم تفز إلا بـ58 مقعداً بعد أن كان لها 55 مقعداً في الانتخابات الماضية في أيلول 2019 وهي بحاجة لثلاثة مقاعد للفوز بتشكيل حكومة أغلبية بمقعد واحد 61 من 120 وكتلة «أزرق أبيض» فازت بـ46 مقعداً مع حزب ليبيرمان الذي فاز بـ7 مقاعد، وفازت كتلة «المجموعة العربية المشتركة» التي تمثل أصوات الجمهور العربي في الأراضي المحتلة منذ عام 1948 بـ16 مقعداً وبهذه النتيجة ضاقت الخيارات المتاحة لكلتا الكتلتين رغم وجود فرصة أكبر لنتنياهو بتشكيل حكومة إذا نجح في الحصول على ثلاثة مقاعد من بقية الأحزاب. ولذلك بدأ المحللون الذين يتابعون شؤون الأحزاب الإسرائيلية بالتطرق إلى احتمال انشقاق عدد من الأعضاء من داخل حزب أزرق- أبيض أو من حزب العمل سابقاً «فاز بانتخابات آذار الجاري بـ7 مقاعد إن لم يكن 6 بانتظار الإعلان الرسمي عن عدد مقاعد كل حزب.
وفي حال عدم وقوع انشقاق وهو غالباً ما يقع بعد كل انتخابات فلن يجد نتنياهو سوى التوصل إلى اتفاق مع حزب العمل وحلفائه لضم مقاعدهم السبعة أو الستة كلها إلى كتلته الائتلافية ليحصل على الأغلبية أو أن يقوم ليبيرمان رئيس حزب «إسرائيل بيتنا» بدور يجعله ينتقل إلى تأييد حزب الليكود ونتنياهو رئيسه أما حزب أرزق أبيض فقد ضاقت فرصه وهو لا يستطيع مع حزب ليبيرمان تشكيل حكومة تضم 16 مقعداً من «القائمة العربية المشتركة» لأنه مع ليبيرمان يرفضان ضم قائمة عربية كهذه لحكومة إسرائيلية.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه بعد كل هذه النتائج هو ما الذي يجعل أكبر مؤسسات الحكم الصهيوني الإسرائيلي «الكنيست- والحكومة» تواجه هذا الطريق المسدود في تقاسم الحكم فيما بين أحزابها؟
يرى بعض المحللين في إسرائيل أن الأسباب الرئيسة لمثل هذه الأزمة الحادة تعود لعدم قدرة المشروع الصهيوني على صهر المستوطنين في المشروع «القومي» الصهيوني في فلسطين المحتلة بعد مرور أكثر من سبعين سنة على إعلان هذه الدولة، فقد كان الانقسام في العقود الأولى لهذه الدولة بين يهود غربيين ويهود شرقيين فأصبح بعد تشكيل هذا الكيان السياسي بين «يهود شرقيين متدينين» شاس (8 إلى 9) مقاعد و«يهود غربيين متدينين» ويهدوت التوراة (7 إلى 8) مقاعد وبين يهود علمانيين غربيين «حزب الليكود وأزرق ابيض وليبيرمان» وبين يهود علمانيين شرقيين «حزب العمل وغيشيرو ميريتس» من يهود المغاربة والشرق فالانقسام «إتني» حمله المستوطنون معهم حين جيء بهم من كل أوطانهم في أوروبا والعالم العربي وتولد عنه انقسام بين متدينين من أصل شرقي ومتدينين من أصل غربي. علماً أن حزب الليكود وأزرق أبيض كان قبل عقدين أو أكثر يضم كل قادته الموجودين الآن في الحزبين وأصبح الانقسام المستعصي السياسي فيه يرسخ استعصاء الانقسام على الأرض بين الأحزاب الصغيرة للمستوطنين الذين يحافظون على تميزهم الإتني والطائفي الذي لم يتخلوا عنه.
وفي ظل هذا الواقع يشكل أصحاب الأرض الحقيقيون 20 بالمئة من مجموع الإسرائيليين في الأراضي المحتلة عام 1984.
وفي ظل شبكة المصالح والخلفيات الإتنية المنقسمة داخل هذا الكيان المستحدث يعترف علماء الاجتماع في الجامعات الإسرائيلية بأن كل مستوطن غربي يتمتع بالعيش بهويتين إحداهما الوطن الذي جاء منه والأخرى مشروع الوطن الذي جاء إليه، فثمة ما يزيد على 40 بالمئة من اليهود الغربيين يحملون المواطنة الأوروبية وجميع حقوقها وامتيازاتها وجواز سفرها الاتحادي الأوروبي، وهم لا ينظرون إلى المشروع الصهيوني الآن بالشعور نفسه الذي ظهر قبل ثلاثة عقود، وقد حافظوا على ثقافتهم ولغتهم الروسية والأوروبية وتقاليد تلك البلاد كأي روسي أو بولندي أو روماني وألماني داخل هذا الكيان المستحدث، ولذلك يرى هؤلاء العلماء أن الأزمة عميقة في جوهر هذا المشروع الذي لا يستطيع المحافظة على بقائه من الداخل أو من الخارج إلا بالقوة العسكرية وبطشها، لأن الجيش فيه مطلوب منه حماية الدولة من أصحاب الأرض الذين أصبح عددهم يزيد على عدد اليهود في مساحة كل فلسطين بضفتها الغربية وقطاع غزة ومطلوب من الجيش أيضاً حمايتها من الجوار الذي يهدد بقاءها، كما يعترف قادة إسرائيل أنفسهم بأنه لولا تعهد الولايات المتحدة كقوة كبرى بضمان وجود هذا الكيان لغادره معظم المستوطنين إلى أوطانهم.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن