ثقافة وفن

كُتبُ الأطفال ومجلّاتهم … ضرورةُ التَّكامُل بينَ النُّصوص والرُّسـوم

| قحطان بيرقدار

في ظلّ العالم المنفتح والـمُتشعّب الذي يعيشه طفلُ اليوم، لم يعد من السهولة بمكان شدُّ انتباه هذا الطفل، وإثارة اهتمامه، وتوليد الجاذبية لديه، ومن ثم الفوز بقبولِهِ كُلَّ ما يُقدّم له من محتويات فنية وأدبية. وعلى صعيد الكتب والمجلات الموجّهة إليه، لم يعد طفلُ اليوم يرضى إلا بما يرتقي بوعيه وتفكيره، ويُقدّر أخيلتَهُ ورؤاه، ويحترمُ قدرتَهُ على تمييز الصالح من الطالح.

ومع إعطاء الأهمية لكلِّ ما قيل وكُتِبَ حول أدب الأطفال في أجناسه كافة وحول دوره وتأثيره وأهدافه وشروطه وفلسفته ونظرياته، سأطرح في هذه السطور بعضَ النظرات حول الرسوم الموجهة إلى الطفل في كتب الأطفال ومجلاتهم بوصفها عنصراً مهماً وأساسياً جداً من عناصر العملية الإبداعية الموجهة إلى الطفل، ولاسيما أننا نعيش في عصر الصورة شئنا ذلك أم أبينا، وسأتطرّقُ باختصار إلى العلاقة بينها وبين النصوص الأدبية المرافقة لها، من هنا فإنني أرى أن مستويات النظر إلى رسومِ كُتب الأطفال ومجلاتهم قديماً وحديثاً، تتعدّدُ وتتشعّب، مما يوحي بوجود مشكلات كثيرة في هذا الصدد، فمنهم من يَعُدُّ رسوم الأطفال وسيلةً للتعبير عن العمل الأدبيّ وإيضاحه وترسيخ أفكاره وقيمه وشخوصه، ومنهم من يرى أنها عملٌ إبداعيٌّ مستقلّ عن النصّ، وإن كانَ مُستوحىً منه، ومن ثم فهو يسير بالتوازي معه، ومنهم من يرى أن وظيفتها هي تعزيز الذائقة البصرية لدى الطفل، وتنمية الثقافة اللونية لديه، وإثارة خياله ورؤاه، وإكسابه مهارات اكتشاف نفسه واكتشاف ما حوله عبر الصورة المتحركة الـمُعبّرة، وعبر المستويات اللونية المناسبة، ومنهم من يرى أنها مزيجٌ مِن كُلِّ ما سبقَ معاً وفي آن واحد، كما أن هناك من يرى أن هذه الرسوم يجب أن تنحو منحى التبسيط والتسهيل بحيث تكون ناطقةً بلسان حال الطفل ومُعبّرةً عن روحه وأسلوبه في الحياة وطريقة تفكيره، إضافة إلى ذلك نلحظ نوعاً من الجدل المستمرّ بين أن تكونَ الرسوم الموجهة إلى الطفل مرسومةً يدويّاً وبين أن تكون مرسومةً عبر برامج الكمبيوتر الخاصة بالرسوم، كذلك ثمّة جدلٌ حول مساحة الرسوم قياساً بمساحة النص المكتوب، فهل تكون المساحة الكبرى للرسوم أم للنص الأدبي؟ وحول ملاءمة الرسوم للمرحلة العمرية للطفل، وحول المقارنة بين أهمية كُلٍّ من الرسوم والعمل الأدبي المكتوب، والعلاقة بينهما.
من الـمُلاحَظ بعدَ استقراء ما تنتجه دور النشر العربية والمؤسسات المعنيّة بالطفل عموماً من كُتبٍ ومجلات حالياً، أن ثمة قفزة نوعيّة على صعيد الرسوم الموجهة إلى الطفل على حساب الأعمال الأدبية المطروحة، فالتميّز – كما تشير المعطيات – يتّجهُ صوبَ الرسوم أكثر من اتجاهه صوبَ الأعمال الأدبية، ونلاحظ في المنتجات الطفليّة المنشورة عموماً أن المساحة الكبرى هي من نصيب الرسوم المتنوعة الجميلة، إذ يُركَّزُ عليها في عرض القصة ومغزاها وهدفها، ويُحرَصُ على أن تكونَ هذهِ الرُّسوم جذّابةً للطفل، ومُثيرةً لخياله، ومُحرِّضةً لإدراكه مع الاتجاه إلى اختصار العمل الأدبيّ لمنع ذهن الطفل من التَّشتُّت، ومن ثم لا يشعر بالملل… وهذا الأسلوب في عرض كتب الأطفال ومجلاتهم هو السائد حالياً على نحوٍ أو آخر في كثيرٍ من دور النشر ومؤسسات الإنتاج المعنيّة بالطفل، وذلك انطلاقاً من أننا نعيشُ في عصر الصورة الّتي هي أول ما يجذبُ الطفلَ في الكتب الموجّهة إليه، ويشدُّ اهتمامَهُ، ويُـحرِّضُ تفاعُلَهُ.
ولا ريبَ في أن الأعمال الإبداعية المميزة الموجهة إلى الطفل هي التي تقومُ أساساً على عملية إبداعية تكاملية متوازنة بين العمل الأدبيّ المكتوب من جهة والرسوم التي ترافقه من جهة أخرى، فلا طغيانَ لأحدهما على الآخر إلا بعد مراعاة المرحلة العمرية للطفل وشروطها ومتطلباتها. ويرتبط تلقّي رسوم كتب الأطفال بمستوى النضج العقليّ للطفل، فكلما كبر الطفل وازداد مستوى الوعي لديه اختلف مستوى تلقّيهِ للرسوم الموجّهة إليه، فمن الأصح والأجدر في مرحلة «الطفولة المبكرة» – على سبيل المثال – أن تكون المساحة الكبرى مخصصةً للرسوم والصور التي يجب أن تتسم بالسهولة والوضوح وعدم الإكثار من التفاصيل والابتعاد عن التعقيد، مع مراعاة اختصار النصّ كثيراً والاكتفاء بكلمات معدودات في الصفحة الواحدة، ولعلّ كُتبَ الأطفال التي نجحت في المواءمة بين منحى النص الأدبيّ ومنحى الرسوم قليلة عموماً، وذلك بسبب سوء الفهم الحاصل في فهم المرحلة العمرية الـمُتلقّية، والفشل في إعطائها ما يناسبها سواء من حيث العمل الأدبيّ أم الرسوم المصاحبة له، وبسبب عدم تَـحقُّق جوهر الإنسان الحقيقيّ بأبعاده كافة بوصفه كاتباً أو رسّاماً في هذه الكُتب، ولأنّ هذه الكتب لم تستطع أن تتقمّصَ شخصية الطفل، فتُفكّر بعقله، وترى بعينيه، وتتحدّث بلسانه، وتعكس مفردات عالمه وثقافته ورؤاه.
إنّ عمليّةَ إبداعِ كُتبٍ ومجلات ناجحةٍ للطفل عمليةٌ تكامليةٌ جماعيةٌ مُتوازنةٌ، تنهضُ وتزدهر بضرورة تلاقُح رؤىً وأفكار وتوجُّهاتٍ عدّة، ومن هنا أرى أنه من الضروريّ أن تضمَّ كلُّ مجلة موجهة إلى الطفل وكلُّ دار نشر تنشر للأطفال باقةً من المحررين والكُتّاب مُتعدّدي الاختصاصات، ومشرفاً فنياً خبيراً في الرسوم الموجهة إلى الطفل، وحريصاً على توسيع شبكة رسّامي الأطفال المميزين المتعاملين معه، ومخرجاً فنياً مُـتمرّساً بإخراج كُتب الأطفال ومجلاتهم، إضافة إلى هيئة التحرير التي يجب أن تضمَّ اختصاصات متعددة في الكتابة للطفل وفي تربية الطفل وفي الرسوم الموجهة إليه… وبتفاعُلِ كلِّ هذه الخبرات وتلاقُحِ أفكارها ورؤاها، وبإشراك باقةٍ من الأطفال في تقييم ما يُنتَجُ واستطلاع آرائهم فيه، لا بد أن العملية الإبداعية الموجهة إلى الطفل ستكون أكثر نجاحاً وأكثر توفيقاً وإبهاراً، وستُـحقِّقُ الأهداف المنشودة بما ينعكس بالنفع والخير على الطفل العربيّ ومستوى ثقافته.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن