من دفتر الوطن

مشروع مستقبلي

| حسن م. يوسف

«الاستثمار في المشاريع الثقافية هو الاستثمار الأكثر ربحاً لأنه يبني الإنسان المنتمي والمتسلح بالمعرفة، ويحصنه، ويؤهله ليكون قادراً على تنمية ذاته ومجتمعه ووطنه».
سمعت هذه الفكرة، مباشرة، من سيادة الدكتور بشار الأسد رئيس الجمهورية في سياق حديثه مع وفد المشاركين في الاحتفالية المركزية لاتحاد الكتاب العرب بمناسبة الذكرى الخمسين لتأسيسه، في الثامن عشر من كانون الأول الماضي، وقد استوقفتني فكرة «الاستثمار في الثقافة» فنويت أن أكرس مقالي الأسبوعي للكتابة عنها وعندما حان موعد كتابة المقال اكتشفت أنني لا أعرف شيئاً عن الاستثمار، كما أن فهمي للثقافة بحاجة لتحديث نظراً لأن الثقافة كائن حي لا يكف لحظة عن التطور، لذا أرجأت الكتابة عن الموضوع لموعد لاحق.
خلال الأسبوع التالي أنزلت بضعة كتب مترجمة عن الاستثمار الأمثل والذكي… الخ، إلا أن ما قرأته من تلك الكتب زادني تشويشاً وعدم ثقة بنفسي، لذا قررت أن أغض النظر عن الموضوع تاركاً الاستثمار لأهله.
في الساعة السادسة من مساء يوم الأحد الماضي أحيت جمعية عين الفنون (فضاء ثقافياً) بعنوان «الاستثمار في الثقافة» في فندق الداماروز بدمشق، تحدث فيه ثلاثة محاضرين، الدكتور عصام التكروري توقف طويلاً عند مصطلح «الاستثمار في الثقافة» ووصفه بأنه صعب، لكن الأصعب برأيه هو مصطلح «أزمة الاستثمار في الثقافة»، لكن الأكثر صعوبة ووجعاً في آن برأي الدكتور تكروري يتجسد في مصطلح «أزمة الاستثمار في الثقافة في سورية». وقد اختار الدكتور تكروري التعريف التالي للمصطلح الأكثر صعوبة: «هو الآلية الواجب اتباعها من أجل النهوض بالثقافة كحامل وعي، وتجييره لكي يتحول إلى رافد مادي يسعى إلى المساهمة في ميزانية الدولة أو على الأقل لكي يساهم في التمويل الذاتي للفعل الثقافي المؤسساتي في سورية». ولم يبتعد د. تكروري عن الصواب عندما ركز على مسؤولية الدولة بقوله: «للدولة الدور الأكبر حتى تكون المستفيد الأكبر». لأننا في فترة إعادة الإعمار «يجب ألا نقتصر على إعادة إعمار الحجر إنما إعادة إعمار الوعي».
ممثل مؤسسة الآغا خان د. على إسماعيل أشار إلى أن «الاستثمار في الثقافة ليس مسؤولية جهة واحدة بل مسؤولية الجميع، من الأفراد وصولاً إلى المؤسسات، وليس مسؤولية ملقاة على عاتق الدولة ويستثنى منها الأفراد بل هي مسؤولية تبدأ من الأفراد وتتكامل مع دور الدولة»، وكمثال على ذلك عرض فيلماً يوثق ترميم مؤسسة الآغا خان لســــــوق السّـــــقَطيّة في حلب.
الدكتور طلال معلا وضع قضية الاستثمار في الثقافة مادياً ومعنوياً ضمن «سياق إعادة إعمار البلد كاملاً بما فيها إعادة إعمار الإنسان وأن هدف جمعية «عين الفنون» دعوة المثقفين لتداول هذا المصطلح ومحاولة وضعه على خط النقاش والحوار مع الجمعيات وأطراف المجتمع والحكومة التي تعتبر الراعي الأساسي لوضع الأطر العامة للاستثمار في الثقافة».
يرى الفيلسوف بول ريكور: «إن الثقافة إذ هي تؤوِّل العالم فإنها تغيره»، وإذا كانت الفنون هي آليات تأويل الثقافة للعالم فما هو وضع الفنون في بلادنا؟ وبما أن الثقافة ليست كلاً منسجماً فهناك الثقافة غير المادية التي تشمل الأساطير والفلسفة والأدب والعلم والثقافة المادية التي تشمل التكنولوجيا، والهندسة المعمارية والفنون التطبيقية؟ فإلى أي حد يتناغم تأويل الأولى مع تأويل الثانية؟
أقترح أن تكون ندوة (عين الفنون) حلقة أولى من سلسلة ندوات تخصصية عالية المستوى، حول الاستثمار في مختلف المجالات الثقافية، ولتكن الندوة الأولى حول الاستثمار في الدراما التلفزيونية، لما لهذا الموضوع من أهمية وحساسية، وكلي أمل ألا يسمح لمن يحولون الأفكار إلى شعارات بالتسلل إلى هذا المشروع الوطني المستقبلي.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن