ثقافة وفن

في يومها العالمي…صورة المرأة السورية في فنها التشكيلي … فنانات رائدات عالجن بالريشة واللون آلام وأوجاع نسوة وقعن ضحيات لتقليد المجتمع وسطوته

| سوسن صيداوي

القدرة على خلق الأحلام وتحويلها إلى واقع حقيقي بالرغم من كل المخاوف المتوجّسة، ليس هذا فقط بل السعي للخير بالحلم من أجل تحقيق واقع إنساني أفضل (لها). أجل (لها) هي الكائن الذي خلقه الله من ضلع آدم ليكون معيناً له وسنداً، والمحتوى برحمِه لولادات وحيوات مقدّرة.
هي المرأة التي كرّمتها الأديان وعظّمتها الحضارات القديمة وبجّلت عطاءها وحنوّها لقدرتها مع قوتها اللامحدودة في تحمّل أسرار طبيعية خلقت لها وحدها.
وفي يومها العالمي نقف اليوم عند إنجازاتها وطموحاتها بالسير في الدرب مع الرجل ومشاركته معتركات الحياة المتنوعة، لتثبت أنها مسؤولة وقادرة على التحمّل، ومن الإبداعات نتحدث عن المرأة في الفن التشكيلي سواء أكانت المرأة هي الفنانة أم المرأة هي الموضوع المطروح في اللوحات.
وتجدر الإشارة إلى أنه في هذا الإطار–كما غيره- لطالما عانت المرأة من التحيّزات الإنسانية التي عطّلت عليها السير في طموحها، وخصوصاً إن كان الرجل هو من يقوم بتدريبها وتأهيلها لتكتسب المهارات، ولتحصد التأييد من المجتمع في إطار الفن التشكيلي، والذي كان أيضا حقلاً يبدع فيه الرجل منذ العصور القديمة.

ليلى نصير… مضامين بالغة العمق لمشاعر المرأة

الفنانة التشكيلية السورية ليلى نصير رائدة الفن السوري المعاصر، من مواليد اللاذقية سنة 1941، تخرجت من كلية الفنون الجميلة في القاهرة عام 1963 وظلّت على مدى عشرات الأعوام اللاحقة تعمل في الحقل التشكيلي، متابعة إبداعها المتنوع بسلسلة من التجارب والاختبارات الفنية الواقعية والتعبيرية، والتعبيرية- التجريدية، والسوريالية، إلى جانب الطباعة، وصولاً إلى التجريدية، وحتى في الدمج ما بين التشخيصية- التشكيلية والتجريدية، في لوحات جسّدت فيها جمال الأساطير وعراقة الإنسان بالعموم والمرأة على الخصوص.
اهتمام فنانتنا بفن النحت كان له بالغ التأثير على لوحاتها الفنية في المرحل اللاحقة، والأمر جلي من خلال الأشكال التي برعت في تشكيلها ونحت ملامحها، أو من حيث ملمس سطح اللوحة الناعم الذي ينمّ على قدرتها الكبيرة في تخطيط التعاريج من دون أي أثر.
لقد تأثرت نصير بالفنون القديمة وخاصّة بأوغاريت والتي تعد رمزاً للخصوبة المتجددة، وتناولتها في كثير من أعمالها حيث صوّرت المرأة الحامل بأجمل تجسيد، رغم أن فنانتنا لم تتزوج أو تنجب ولكن ما تكنّه من مشاعر تجاه نفسها وتجاه المرأة، صوّرته بلوحات كرّست أفكارها الفنية الإبداعية مع مضامين بالغة العمق لمشاعر طاغية الإحساس بحنوّ الأمومة، وهذا واضح كما أسلفنا برسمها لصورة المرأة الحامل في العديد من لوحاتها، كما رسمت الفلاحات في الحقل والبيدر والعاملات في القطاف، وصوّرت الشخوص المحقونة بالأزمات والانكسارات المجتمعية والمسكونة بصدمات الحياة اليومية المعاشة.

أسماء فيومي… تجريدية مزاجية مرنة مع المرأة

فنانة تشكيلية سورية ولدت في عمان عام 1966، ومنذ معرضها الفردي الأول في دمشق عام 1966، عثرت فنانتنا على أسلوبها التشكيلي الخاص، مختارة أن تسيّد مزاجها التجريدي في توليفاتها ضمن عناصرها ومكوناتها الخاصة، وبعد الانتهاء من دراستها الأكاديمية في كلية الفنون الجميلة، أبحرت فيما وراء المرئيات الواقعية، بعد أن حطّمت قيود القياسات التقليدية وأعادت تأليفها وفق عوالمها التجريدية المزاجية، والتي تعكس تأملاتها الشخصية، ومشاعرها وأفكارها الإنسانية العميقة، لترسم واقعاً سياسياً ومجتمعياً من جهة، مع متابعة نظرتها لتطورات عجلة الحياة في خضم ظروف الواقع المؤلمة والضاغطة والموجعة للكل بالعموم وللمرأة على الخصوص، فالنساء في لوحات فيومي هنّ في حالات الأمومة والعائلة، والمرأة بتحدياتها وانكساراتها حاضرة بكثافة، سواء وهي متلوّية بجروح عزلتها أم سوء فهما، مع ما تحمله الأنثى من أسرار وآلام لا يمكن لها أن تبوح بها ببنت شفة، فصورتها بوجوه متطاولة، وعيون واسعة، ومرات أخرى نجد النساء واضحات المعالم في تجريدية تذوب بملامح شبه واضحة مع النظرات الحزينة والمترقبة لقادم ضبابي ومقلق.
في لوحات أخرى نجد المرأة شاخصة وحدها في اللوحة أو معها أخريات أو مع أطفال بإشارات لما تتعرض له المرأة الشرقية من تهديدات تواجهها من الرجل والمجتمع بقوانينه على حدّ سواء في حضانتها لطفلها.
وفي معرض التشكيلية الرائدة أسماء الفيومي «أدين بدين الحب» قدمت خمسة وثلاثين عملاً فنياً جديداً، تدور في فضاءات الحب والأرض والمرأة، في حالات إنسانية مختلفة تحيط بالنساء.
عن ذلك قالت فيومي: «أنا متضامنة مع المرأة، هي شغلي الشاغل حتى في أدق التفاصيل، المرأة عالم كبير هائل، يمتلك مخزوناً عظيماً من الجمال، ويقدم للآخر كل حالات الحب والتضحية، كثيراً ما قدمت عوالم تخصها، وكنت حريصة فيها على تقديم ما هو عميق ومؤثر، يشرح أسباب معاناتها، ويحاول مداواة جراحها».
وتضيف: «في هذا المعرض لم أخرج عن القاعدة، فوجوه المرأة موجودة في المكان بقوة، وهي تحمل الكثير من المعاني الإنسانية العميقة التي لا تعرفها إلا المرأة، فأنا أتضامن مع هذه الحالة التي تعيشها، خاصة عندما تكون وليدة آلام داخلية، تحاصرها مجتمعياً أو قانونياً، لكنها رغم كل هذه المتاعب تقدم للإنسان كل الحب والتضحية، المرأة تعني أنه لابد لهذه الآلام من نهاية وهذا ما أتمناه، لكي تبني المرأة غداً أكثر إشراقاً».

سارة شما… ثيمة أنثوية متكررة بعوالمها

في خضم العصرنة ومع سرعتها و تغيّرها الدائم، كان لابد للحركة النسوية المعاصرة في الفن التشكيلي من دفع الفنانات للبحث عن طرق جديدة متواكبة مع السرعة الملحة في الطرح والتعبير، مما تطلّب منهن الإبحار في عوالم وسبل تعبيرية متوافقة وبعيدة عن الهيمنة الذكورية المتسلطة على هذا المجال منذ وقت طويل، لهذا نجد اليوم فنانات تشكيليات أبدعن وتفرّدن في الاختلاف المتميز والمرهف في تقديم القضايا الإنسانية والنسوة. فمن الجيل الشاب وضعت الفنانة التشكيلية سارة شما لنفسها علامة مميزة في المشهد التشكيلي السوري منذ تخرجها في مركز أدهم إسماعيل للفنون التشكيلية في دمشق عام 1994، محققة حضوراً محلياً وعالمياً، بتجاوزها القيود الكلاسيكية الأكاديمية، مشكلة مدرسة تشكيلية خاصة بها، راسمة نفسها كثيمة أنثوية متكررة في عالمها الزيتي، مصورة معاناة المرأة في المجتمع والحياة برسمها لآلامها سواء في الولادة، الحب، المنفى، الحرب، ضمن إسقاطات جريئة ومحاولات ناجحة لعكس مشاعر المرأة، مستحوذة على روحها وانفعالاتها مجسدة إضراباتها وقلقها، وكيف لا تنجح طالما بدأت برسم نفسها أولاً؟!، متميزة بدقة التصوير والبراعة في رسم البورتريه مع التفاصيل الأخرى، محققة إبهاراً تقنياً وجرأة في الاستخدام اللوني فضلاً عن التكوين الجميل، وبموجب فيزا «الموهبة الاستثنائية» تعيش شما في لندن العاصمة البريطانية، حيث أقامت معرضها الأخير «العبودية الحديثة» الذي يصوّر تجارب النساء في (الشفاء من آثار العبودية الحديثة) التي فرضتها الحرب على شرقنا العربي وما صدّرته لنا الدول الأجنبية من تنظيمات إرهابية، وحول هذا المعرض قالت الفنانة التشكيلية: «بدأ المشروع في رأسي عندما سمعت بقصص (داعش) وبيعهم النساء والأطفال في مزادات علنية في سوريا والعراق».
تتابع: «ليس «داعش» وحده من يستعبد النساء، بل يوجد الكثير من العصابات والمهربين وتجار البشر في العالم، تستغل الضعفاء والفقراء واللاجئين وتقوم باستعبادهم وبيعهم-حرفياً- في جميع أنحاء العالم. في مشروعي هذا قمت بمقابلة عدة نساء من إفريقيا وشرق أوروبا كن ضحايا استعباد وتجارة جنسية في بريطانيا، وهن ناجيات يخضعن للحماية والعلاج من هذه العبودية الحديثة».
وأضافت: «في تلك المناسبة فكما ذكرت يخضع أكثر من 40 مليون شخص في العالم للعبودية اليوم، وهم يتنوعون بين ضحايا تجارة الجنس وضحايا العمل القسري (عاملات منزليات وعمال غير مرخصي الإقامة في بعض الدول)، كما يعتبر الزواج المبكر والزواج الإجباري من أنواع العبودية الحديثة، معرضي يغطي كل تلك الحالات وليس حالة محددة، فهو يعالج الفكرة والإنسان الذي وقع ضحية العبودية الحديثة، بغض النظر عن نوعها أو منشأها».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن