ثقافة وفن

المرأة تصنع عالماً يشبه جنة صغيرة فوق الأرض

| جُمان بركات

تتزاحم الأفكار عند الخوض بمقال يخص المرأة، فهي نصف المجتمع وتربي النصف الآخر، وهي القامة الحقيقية للمجتمع بأكمله، ولو أجرينا تمريناً ذهنياً بسيطاً يتمثل بذكر كلمة «تدمر» ستحضر زنوبيا من دون زوجها «أذينة» إلى الأذهان على الرغم من دورهما المتقارب الذي قاما به معاً ضد الإمبراطورية الرومانية، وقد لا يختلف الأمر كثيراً عند الحديث عن كليوبترا السابعة التي يتذكرها الكثيرون من دون بطليموس الثالث عشر «الأخ الذي شاطرها حكم مصر»، أما سبأ وبلقيسها فهي مثال ثالث وليس أخيراً فالقائمة تطول، في الحقيقة ليست الجدوى من الاستعراض الواقعي من منطلق تاريخي فقط وإنما لتسليط الضوء على قوة المرأة، فهي في الواقع وطن بعد تعثر الكثيرين بتعريف الوطن، في الواقع نعم إنها الوطن والسلام في الحرب، والضوء في ظلام الليل، والعكاز الذي تتعكز عليه الأرواح جميعاً، واليد الخفيفة التي تمس الجبين الساخن، والشمس الباردة في صباحات الربيع وهي الفجر إذا تنفس.
يحتفل شهر آذار، شهر الربيع والعطاء بيوم المرأة العالمي الذي خصص مكاناً له في يومه الثامن، ويعود تاريخ هذا اليوم إلى عام 1908 عندما خرجت 15 ألف امرأة بمسيرة في مدينة نيويورك يطالبن فيها بساعات عمل أقصر وأجر أفضل والحق في التصويت، وبعد عام من تلك المسيرة، أعلن الحزب الاشتراكي الأميركي ذلك اليوم عيداً وطنياً للمرأة. وفي عام 1910، اقترحت سيدة تدعى كلارا زيتكين في مؤتمر دولي للنساء العاملات في كوبنهاغن بأن يصبح 8 آذار يوماً عالمياً، وحضر المؤتمر 100 امرأة من 17 دولة وافقن جميعاً بالإجماع على المقترح، واحتفل بهذا اليوم لأول مرة في عام 1911، في كل من النمسا والدنمارك وألمانيا وسويسرا، لم تكتسب فكرة كلارا الصفة الرسمية إلا عندما طالبت النساء الروسيات المضربات بالخبز والسلام خلال الحرب العالمية الأولى عام 1917، وبعد أربعة أيام من إضرابهن، أجبر القيصر الروسي على التنازل عن العرش، ومنحت الحكومة المؤقتة حق التصويت للنساء، وكانت روسيا تستخدم تقويم جوليان حيث كان الاحتفال بهذا اليوم يصادف في روسيا يوم 23 شباط، المصادف للثامن من آذار حسب تقويم غريغوري.
أصبح هذا اليوم عيداً عالمياً في عام 1975، عندما بدأت الأمم المتحدة تحتفل به سنوياً. لقد أصبح يوم الثامن من آذار يوماً للاحتفال بمستوى ارتقاء المرأة في المجتمع وتوليها المراكز السياسية والاقتصادية، على حين أن الجذور الأساسية لهذا الاحتفال تعود إلى الاحتجاجات والإضرابات التي قامت بها المرأة بسبب عدم المساواة بين الرجل والمرأة.
عادة لا يستهان بقدرات المرأة ولا يتم التقليل من شأنها في أي حال، فهي تعطي للعالم أفضل ما لديها وبعدها يصبح العالم جنة صغيرة فوق الأرض، لولا المرأة لما تعلمنا كيف نحب، وكيف نضحك، أو كيف نبكي، أو نقدّم الأفضل.

إلغاء العيد
يقول الفنان اللبناني زياد الرحباني: «إذا كُنتُم فعلاً إخوة فلماذا التذكير بهذا باستمرار»؟ والشيء بالشيء يذكر، أن التركيز على موضوع المساواة بين الرجل والمرأة ما هو إلا اعتراف بوجود شرخ بينهما. تعرّف ويكيبيديا عيد المرأة على النحو التالي: إنه عيد يقام للدلالة على الاحترام العام، وتقدير وحب المرأة لإنجازاتها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية إضافة إلى إنجازات مهمة كالأمان والازدهار والاستقرار واللا فوضى لهذا الكوكب الرائع المتعب.
في الواقع، تفرد الصحف المطبوعة والمنابر الافتراضية مساحات لإبراز إنجازات نساء تفوقن في مجالاتهن، فتلك التي تبوأت مناصب عليا، والثانية التي سجلت براءة اختراع، والثالثة ألفت كتباً أدبية، والرابعة التي أصبحت نجمة سينمائية، وغيرهن من السيدات اللواتي تركن أثراً في الفضاء العام بفضل إنجازاتهن، ولكن يبقى السؤال: لماذا لا تحتفل النساء بيومهن؟ إن تخيلنا أبعاد الاحتفال مثلاً كأن تأخذ المرأة هذا اليوم كيوم راحة تامة تقضيه كما تحب، تمضي بعض الوقت في الصباح باحتساء القهوة من فنجان كبير، تجلس على كرسي مقابل الشباك وتشرب القهوة في رشفات صغيرة وبطيئة، على عكس الأيام العادية التي تبتلع فيه الشراب لتبدأ مهامها.

طرق احتفالية
تجري الاحتفالات بيوم المرأة حول العالم بطرق مختلفة ويشارك فيه الرجال والنساء، وفي كثير من البلدان يتبادل الرجال والنساء الزهور والورود، في الصين مثلاً تعمل النساء نصف اليوم فقط في هذا اليوم بناء على اقتراح مجلس الدولة، ولكن ليس كل أرباب العمل يراعون هذا التقليد، أما في إيطاليا، فيتم الاحتفال به بتبادل أزهار الميموسا، وليس واضحاً بالضبط من أين أتى هذا التقليد، ويعتقد أنه بدأ في روما بعد الحرب العالمية الثانية، وفي الولايات المتحدة، شهر آذار هو شهر المرأة، وجرت العادة أن يصدر إعلان رئاسي كل عام للاحتفاء بإنجازات المرأة الأميركية.

نساء سوريات
هناك مجموعة من النساء المستنيرات، شاء القدر أن يعشن في عصر فريد، جيل مخضرم تلاقت على تخومه أصداء ماض سكوني طويل، وحاضر مسكون بحلم الاستقلال، والثورة على واقع مرير كان كل شيء فيه ممنوعاً وعيباً وحراماً، مجموعة من النساء، رأين أن الحياة تستحق أن تعاش بواقع أفضل، وأن الحياة ليست تكايا وحريماً، وخضوعاً أبدياً للمجتمع الذكوري، مجموعة من النساء، استطعن أن يضعن بصمتهن في تاريخ سورية الحديث، ويهيئن للأجيال القادمة متكأ ليناً. ‏
من المؤكد أن هؤلاء النساء لايختزلن النساء في عصرهن، ومن المؤكد أن هناك المئات والمئات من النساء في القرى والحارات والمنازل والمدارس والمعامل قدمن الكثير وشاركن بصمت في صنع الحياة العامة. كوليت خوري الشابة التي نبتت كالزهرة الفواحة في بيت كان فيه الشعر والأدب والسياسة والفكر الغذاء الروحي، أمسكت القلم بجرأة وكتبت كل ما يمكن للأنثى أن تختزنه من بوح وحب، في زمن كان فيه مجرد الإشارة إلى هذه الموضوعات من التابوهات المحرمة. ‏
ماري عجمي المرأة الدمشقية الجريئة، أمسكت بالقلم ودخلت ميدان الصحافة وعملت في ميدان كان حكراً على الرجال، وأصدرت مجلة العروس التي كان شعارها: إن الإكرام قد أعطي للنساء ليزين الأرض بأزهار السماء، في وقت كانت فيه سورية ترزح تحت نير الاستعمار، والعقول يخيم عليها ظلال التخلف والجهل والعادات القديمة. ‏
ألفة الإدلبي الأديبة المرموقة، والتي خرجت مع رفيقاتها في تظاهرة ضد فرنسا وكان عمرها لايتجاوز ستة عشر ربيعاً، تفتحت على الحياة في وقت كان فيه الصراع على أشده لاقتسام تركة الرجل المريض، وكانت المنطقة تتأجج تحت وطأة التحولات والتغيرات، تحركت الإدلبي واقتحمت عالم الكتابة من بابه الواسع، وانخرطت في نشاطات اجتماعية وثقافية، وكانت من مؤسسات الندوة النسائية السورية وحلقة الزهراء الأدبية وجمعية الأدباء العرب لتكون نواة فيما بعد تسهم في تأسيس اتحاد الكتاب العرب.
غادة السمان المتمردة الأبدية على كل الشرائح الاجتماعية وكل الأنماط السياسية والفكرية وقسوة الزمن، كتبت أدباً جريئاً وأثارت إشكالية ولغطاً في الأوساط الثقافية العربية، وعرت كثيراً من المفاهيم والمقولات وردتها إلى اسمها الصريح، وفرضت أدباً أقل ما يقال عنه إن لديه كل مقومات الصدق والمعاناة والحقيقة. ‏

أقوال في المرأة
كثيرة هي الكلمات والجُمل التي تحدثت عن المرأة، وكيف كان لها تأثير في كل شيء يحدث في الحياة، قال فيها الشاعر نزار قباني: «عندما تحب المرأة تحب بصوت عال، وتعبر عن حبها بالصورة والصوت. أما الرجل فيمتص حبه كما تمتص ورقة النشاف قطرة الحبر، ويتآكل قلبه تدريجياً كما يتآكل محرك السيارة من داخله».
وقالت أحلام مستغانمي: «حين تخجل المرأة، تفوح عطراً جميلاً لا يخطئه أنف رجل»، و«المرأة كتاب عليك أن تقرأه بعقلك أولاً وتتصفحه دون نظر إلى غلافه.. قبل أن تحكم على مضمونه»، وقال سقراط: «عندما تثقفُ رجلاً، تكون قد ثقفتَ فرداً واحداً، وعندما تثقفُ امرأةً؛ فإنما تثقفُ عائلةً بأكملها»، وقال توفيق الحكيم: «إن عقل المرأة إذا ذبل ومات، فقد ذبل عقل الأمة كلها ومات»، «في قلب الرجل ألف باب يدخل منها كل يوم ألف شيء ولكن حين تدخل المرأة من أحدها لا ترضى إلا أن تغلقها كلها».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن